كوثر الأربش
منذ ستة وعشرين عاماً وإيران يسيل لعابها على الحرمين الشريفين، لكنها كانت تتحرى الوقت المناسب. هذا ما صرح به الخميني قبل وفاته، حين قال: «سوف نزيل آلام قلوب شعبنا بالانتقام من أمريكا وآل سعود إن شاء الله في وقت مناسب، وسنضع وسم حسرة هذا الجرم الكبير على قلوبهم، ونضع حلاوة في حلق أسر الشهداء بإقامة حفل انتصار الحق، وبتحرير الكعبة من يد الآثمين سوف نحرر المسجد الحرام».
لكن الخميني يعلم جيداً أن ما يسميه تحرير الحرمين لن ينفذ بقوة السلاح، ولا بهذا التهريج. يعلم أنه لن يتمكن من غزو الأراضي السعودية، وتطويق الحرمين، ومن ثم احتلالهما. يعلم أنه سيبوء بالفشل إزاء قوة المملكة. إنه لن ينفذ بجلده من غضب وانتقاد الأمة الإسلامية والعالم؛ لأنه لن يجد مبرراً يصمد أمام العقلاء. فكان لا بد من سلاح آخر. سلاح التعتيم الديني، هكذا أسميه مقابل «التنوير»، وهو العزف على الأوتار الدينية الحساسة. كان لا بد من تمويه السكين على شكل وردة! أعني إخفاء طمع الاحتلال خلف ملامح دينية تدغدغ مشاعر العامة: كالمظلومية، الطغيان، الشرك، تظهير الحرمين من الوهابية! وغيرها من المفردات، التي اعتقد أنها تبني الجسر المؤدي لغايته القصوى في احتلال الحرمين. رحل الخميني قبل التوقيت المناسب، لكن الطموح ما زال ينبض في النفوس الإيرانية. ما قاله رفسنجاني عام 1987: «إذا كان علماء المسلمين في العالم غير مستعدين لتقبل مسؤولية إدارة مكة المكرمة فإن جمهورية إيران الإسلامية لديها الاستعداد للحرب من أجل تحرير هذا المكان المقدس» لم يتجمد مع الزمن. بل كان كامناً بانتظار الفرصة! ما حدث في حج هذا العام، في منى تحديداً، التدافع الحشدي الذي أودى بأكثر من 1000 حاج، بين شهيد ومصاب. بدلاً من أن يصبح حادثة مؤسفة، تجمع العالم الإسلامي للمواساة والتعزية والمؤازرة، تحول لفرصة من ذهب لهجمة إيرانية ضد المملكة، تحول لمجرد «توقيت مناسب».. ما أرخص الإنسان! الموت الذي حصد المحرمين، في أرض حرام، في يوم حرام، استفزّ الشهية الإيرانية الشرهة، فالتمعت حد سكينها تحت وضح نهار منى!
ما فتئت إيران تقدم نفسها بديلاً للمملكة، تحت أي مسمى، تحت أي حجة، في أي مناسبة، وإن كانت مغسولة بالدم. مثلما استفادت من وحشية داعش؛ لتقدم نفسها حمامة سلام للشرق الأوسط، للعرب، للمنطقة كلها! فإن كانت داعش أبشع أنموذج دموي منسوب للإسلام فإيران أبشع أنموذج وصولي، منافق، ومتملق وتبشيري! كلاهما، داعش وإيران، يتعكز آيات الله للسيطرة على المرضى والسطحيين والسذج. وكلاهما ـ وإن لم نؤكد اتفاقهما المعلن ـ يساعد بعضهما باتفاق ضمني لتقويض أركان بلادنا، وهيهات! داعش تقتل باسم الإسلام، وإيران تقدم إسلاماً مسالماً ظاهرياً بديلاً لإسلام داعش الدموي. دوامة شرسة يشوبها الغموض والريبة. ما يؤكد شروع إيران لاقتناص الفرص لتقديم نفسها كبديل إسلامي بريء ما قاله مسؤولون إيرانيون، أو ما قاله الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، تعليقاً على هامش حادثة تدافع الحجاج في منى: «إن إصرار الحكومة السعودية على منع الدول الإسلامية من المشاركة في الإدارة لم يعد له أي منطق». ملمحاً لضرورة التعاون الإسلامي في تنظيم الحج! إنها فرصة من ذهب لتأليب العالم الإسلامي ضد المملكة، وسحب بساط السيادة من تحتها. هكذا تعتقد واهمة إيران وحلفاؤها. السياسة في أبشع صورها، إنهم لم يروا الموت، لم يروا الجثث الممددة على أسرّة الإسعاف، لم يروا كل تلك الدموع التي نزفت لأجل الراحلين، رأوا فقط: «الوقت المناسب»! بكل هذا الخبث.