محمد بن فهد العمران
في ظل انخفاض أسعار النفط وتباطؤ نمو اقتصادات الدول الناشئة لا شك أننا في السنوات القادمة سنواجه تحديات اقتصادية جديدة ومختلفة كثيراً عما سبق، وبطبيعة الحال إن هذه التحديات الجديدة لن تدعو للقلق بأي حال من الأحوال، لكنها ستتطلب منا التعامل معها بمعطيات جديدة، تتناسب مع الملامح الجديدة للأوضاع الاقتصادية العالمية (وبشكل مركز لأسواق النفط)، وخصوصاً أننا في الشهور القليلة القادمة سنكون على موعد مهم، يتمثل بإعلان الموازنة المالية للدولة لعام 2016م، التي سترسم الشكل الذي ستكون عليه السياسة المالية للدولة في المدى القصير.
لمواجهة أي تباطؤ محتمل للنمو الاقتصادي تلجأ المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، بالتوصية لكبرى الاقتصادات العالمية (ومن أهمها اقتصادات دول مجموعة العشرين) باتباع سياسات مالية توسعية، من خلال زيادة الإنفاق الحكومي بدلاً من تخفيضه، وقد يكون هذا ملائماً عندما يكون الاقتصاد العالمي في حالة من الوضوح، وبالتأكيد لن يكون ملائماً على الإطلاق عندما يكون الاقتصاد العالمي في حالة من الضبابية وعدم التيقن كما هو الحال الآن؛ وبالتالي يتوجب علينا اتباع سياسات مالية تقشفية تحوطاً لأي سيناريوهات سيئة مستقبلاً فيما لو شمل تباطؤ النمو لاقتصادات متقدمة كالولايات المتحدة مثلاً.
وتأتي أهمية اتباع سياسات مالية تقشفية في أنها ستمكن اقتصاد المملكة من التكيف مع أسوأ الظروف الاقتصادية المحتملة، وذلك لفترة زمنية طويلة، لا تتحملها دول أخرى منتجة للنفط، ترفض تخفيض إنتاجها هي الأخرى (كروسيا وإيران مثلاً). وعندما أتحدث عن أسوأ الظروف الاقتصادية المحتملة أو الفترة الزمنية الطويلة فيجب أن نتحوط من هبوط متوسط أسعار النفط لما دون 50 أو 40 دولاراً أمريكياً، ولمدة لا تقل عن 10 سنوات مثلاً، بعيداً عن المكابرة، وعندها سننتصر - بإذن الله - في معركتنا للمحافظة على حصتنا السوقية العالمية في أسواق النفط كما فعلنا تماماً في الثمانينيات الميلادية وسط ظروف اقتصادية كانت صعبة ومعقدة كما هي الآن، وربما أكثر.
إلى جانب السياسات المالية التقشفية أصبح من الواجب علينا الآن تبني خطة اقتصادية متكاملة طويلة المدى، تهدف إلى تحديد آليات تغطية عجوزات الموازنة المتوقعة مستقبلاً (سواء تم ذلك من السحب من الاحتياطيات أو إصدار السندات السيادية)، وتحديد طرق تنمية إيرادات الدولة مستقبلاً من خلال فرض الرسوم (سواء كانت رسوماً على الأراضي البيضاء أو على مبيعات التجزئة VAT، أو غيرها). والأهم تفعيل مشاريع الخصخصة الحكومية لتخفيف العبء على كاهل الموازنات المالية المستقبلية، إلى جانب فك الدعم الحكومي عن بعض مشاريع القطاع الخاص التي ثبت جلياً أنها استنزفت الموارد الطبيعية للمملكة فيما لم يستفد منها إلا كبار رجال الأعمال مع الأسف الشديد.