د.ثريا العريض
لماذا عادت روسيا إلى الشرق الأوسط عبر سوريا؟ وكان آخر عهده بها مشاريعها في مصر لبناء السد العالي وتحدي السيطرة الأمريكية؟
لنجيب عن ذلك نعود إلى السؤال الأساس: ما الذي حدث ويحدث الآن في جوارنا العربي والعالمي شرقاً وغرباً؟
إقليمياً، تبدو أحداث السنوات الأربع الماضية سلسلة من غرائبيات سوريالية، بدءاً بالربيع العربي الذي حمل عواصف الثورات والانقلابات وملايين المحتجين في الشوارع، وتحول بالمدن والتاريخ والذاكرة الحضارية في المنطقة إلى ما يشبه الهشيم الذي تذروه الرياح. نراه الآن رؤية العين فيضانات من الدماء تحت أنقاض المدن وحطام المنازل. ثم التغول الغامض داعش الذي لا هو دولة ولا حركة إسلامية رغم حمله راية تحمل اسم الله والرسول! ولا نعرف كيف تولد هذا المسخ الشيطاني.
ولكن المتمعن المتابع سرعان ما يرى أن البدء لم يكن في 2011 ولا حتى في 2001 والتفجيرات الأكثر غرائبية. هل نعود إلى صراع القطبين في أفغانستان والجهاد الذي تولدت منه جذور القاعدة والتطرف الطالباني الذي ما زال مستمراً؟ هل نعود إلى رجوع المجاهدين الأفغان العرب إلى أراضي أوطانهم الأم محملين بشحنة العنف بعد التدريب عليه تحت راية حللته وقت حاجتها إليه؟ هل نعود إلى النفط والشاه والخميني وجهيمان؟ هل نعود إلى أحزان الصراع ضد سلطات الانتداب في المشرق العربي والمغرب العربي؟ هل نعود إلى الصراع ضد الاستعمار الغربي في آسيا وإفريقيا؟ هل نعود إلى الثورات التي أطاحت بالسلطات المحلية التقليدية في إيران وأفغانستان ومصر وليبيا وتونس واليمن؟ هل نعود إلى الحرب العالمية؟ إلى رفض الاستعمار والاستعباد؟ قبل هذا كله هي رغبة البشر في الشعور بتحقق الإنسانية في مواجهة الطبقية والمعاملة الفوقية والتسلط لفئة على أخرى. ولا يهم إن كانت هذه الفئة مختلفة إثنياً أو مذهبياً أو لغوياً. بذرة التقلقل والرفض هي شهوة الاستعباد وفطرة رفضها.
الذاكرة العربية تحتفظ بتوجع الشعور بالخديعة والإحباط.
وبين ذاكرة الشياب المحتفظة بمرارة نتائج الحرب العالمية وخديعة الانتداب وسرقة فلسطين، وبين حماس الشباب مختلط بمقويات تحفيز مسممة تحت راية الدين ومسميات تموه السياسة باسم الإصلاح، تزايدت روافد الغضب حتى أضحت فيضانات دماء في الشوارع.
صحيح أن الأحداث العالمية جرت بعيداً، وكان الدور الذي أنيط بدول المنطقة هو دور المتفرج المصفق أو الكومبارس، ولكن تأثير تصارع القطبين الغربي والشيوعي لم يمر دون ندوب طويلة الأمد. سقطت أحلام الهيمنة النازية على العالم، وتصاعدت قوة أمريكا، وتكون الاتحاد السوفييتي تحت الأيديولوجية الشيوعية. التهبت الحرب الباردة، وسقطت الشيوعية. وبتقلص صخبها في الأراضي العربية تقلص أتباع لهذه الأيديولوجية أو تلك إذ ابتدأ صوت التأسلم يعلو فوق نداءات القومية.
لم تعد قيمة الإنسان الفرد وحقوقه هي ما يملي الشعارات أو وجهة مسيرة الشعوب في المنطقة، بل تسيس الدين بفعل مقصود من الطامحين، وتشوه التفسيرات إلى تبريرات للحراك ضد الأنظمة الشرعية. وعند مصطلح الشرعية يتوقف وضوح التعبير، وتدخل الضبابية إذ يفسر كل جانب هذا المصطلح كما يخدم أغراضه وأهدافه.
الآن نعايش انبعاث الطموحات الروسية من سباتها لتدخل الساحة العالمية مقاومة هيمنة القطب الأمريكي. مثلما دخلت لبناء السد العالي أيام عبد الناصر، روسيا في سوريا لترسيخ نظام الأسد، لا لإنقاذ الشعب السوري، ولا لمقاتلة داعش المسخ، بل لتؤكد للعالم كله أنها ما زالت قطباً رئيسياً فاعلاً، لا يسمح بأن تنفرد أمريكا بقرار ماذا يحدث في أي جهة في العالم. هل سيظل العرب راضين بدور الكومبارس في صراع الأقطاب على الهيمنة؟ ذاك ما ستوضحه الأحداث المتسارعة في سوريا والجوار.