محمد آل الشيخ
هناك مقولة تجري على ألسنة كثيرمن السلفيين تقول: (لا يصلح خلف هذه الأمة إلا بما صلح به سلفها) وهذه مقولة صحيحة 100% في ما يتعلق بالعقيدة, ومسائل توحيد الله جل وعلا وحده دون سواه، وكذلك عبادته جل شأنه، وهذا ما ينص عليه الركن الأول من أركان الإسلام؛ غير أن كل ما ليس له علاقة بالتوحيد وإخلاص الله بالعبادة وحده دون سواه فليس من مقتضيات هذه المقولة؛ وبالتالي ليس له علاقة بالدين. غير أن هناك من السلفيين خاصة عوامهم ومن هم في حكم العوام من اختلط عليه الأمر، فلا يُميز بين ما هو شأن عقدي ديني ثابت لا يتغير وبين ما هو دنيوي يتغير ويتبدل ويتطور بتطور شؤون الحياة ومعارفها وابتكاراتها, هذا الخلط بين العقدي الثابت في كل زمان ومكان وبين الدنيوي المتغير في كل زمان ومكان هو مشكلتنا الثقافية العويصة التي ما زلنا حتى اللحظة نعاني منها ومن تبعاتها، فهي التي تمسك بزمام رواحلنا على طريق التقدم والرقي الإنساني، لتشدّها إما إلى الثبات، مكانك راوح, أو إلى الخلف، لتصبح هذه الرؤية الخاطئة بمثابة العقبة الكأداء التي تقف بيننا وبين التنمية الدنيوية بمفهومها الشامل والحضاري. أضف إلى ذلك أن هناك مستفيدين من بقاء المسلم متخلفا، لأنهم من خلال تخلفه يطبقون على زمام السيطرة عليه ليصبح في حياته طوع بنانهم، ورهن إشارتهم، وبلا إرادة مستقلة,ومن هنا أصبح الرأي في القضايا الحياتية وغير الدينية موكول لهم رغم أنهم ليسوا متخصصين في ما يدلون به من آراء؛ فأصبح (الداعية) -مثلا- يُفتي في المسائل الاقتصادية، والمالية، والسياسية، والمكتشفات الفلكية وكذلك العلاقات الدولية، ومدى حل أو حرمة الانتساب إلى هيئة الأمم المتحدة، وما انبثق منها من اتفاقيات بين أعضائها وما أقرت من حقوق إنسانية، بل وصل بهم الأمر إلى التدخل في تشخيص الأمراض وعلاجها, من خلال العلاج بالأعشاب والعقاقير الماضوية الموروثة.
وليس لدي أدنى شك، أن (داعش) التي يُعاني العرب المسلمون، وغير المسلمين، من ويلاتها، ومن تشويهها لدين الإسلام، هي في منطلقاتها الفلسفية، تطبق هذا الفهم المخلوط بين ما هو ثابت عقدي، وبين ما هو دنيوي يتغير ويتماهى مع متطلبات العصر. فالدواعش في تطبيقاتهم الدنيوية الحياتية يرجعون في تأصيلاتهم الفقهية، فينهلون منها، ويستقون من آرائها مسالكهم الحياتية، - بغض النظر- عن كونها (تنظيم حركي) مفبرك أو غير مفبرك، فهذه الحركة المتأسلمة ما كان لها لتنجح وتتغلغل بين المسلمين، لو لم يكن لها أرضية ثقافية جعلها تجد من فتيان المسلمين من هو على استعداد لنصرتها والتضحية بالنفس لنصرة (خليفتها) المزعوم.
ومن هنا أقول إننا لن نستطيع القضاء على داعش ولا على القاعدة ولا على العرب المتأسلمين الذين يأخذون من مقولات السلف وبالذات المتشدد منها, ويوظفونها لمصالحهم الشخصية , ما لم نواجه هذه الثقافة السلفية المغلوطة بجرأة ونتعامل مع منطلقاتها الثقافية بعقلانية وموضوعية، وأهم ما يجب أن نواجهه على الإطلاق، أن نفصل بين (الثابت) الذي لا يتغير من شؤون الدين والعبادات، وبين (المتغير) الذي يجب أن يتغير طلبا لمصالح العباد والبلاد؛ وهذا مقتضى الحقيقة التي جسدها رب العباد في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }.
إلى اللقاء