محمد آل الشيخ
وكما كنت أتوقع، (عادت حليمة إلى عادتها القديمة)، وعادت بيانات التحريض على الجهاد من جديد. فحسب موقع (العربية نت) التابع لقناة (العربية) الإخبارية، أصدر 52 محرضا على الجهاد، من العينات إياها، بيانا تحريضيا يحث (السوريين) للتصدي للغزو الروسي؛ لغة البيان كانت مراوغة وختالة، وتم إعدادها بحيث يمكن التملص من تبعات مسؤولية دفع الشباب (الغر) السعوديين للجهاد هناك، خوفا من أن يتم مساءلتهم من السلطات في المملكة، وكذلك من عقلاء المجتمع، بعد أن تبين لكل السعوديين بمختلف فئاتهم، كيف كانت عواقب التحريض على الجهاد في سوريا والعراق، فالدواعش لم يأتوا إلينا من المريخ وإنما كانوا نتاجا طبيعيا لحملاتهم التحريضية؛ وهؤلاء الإرهابيون لم ينتظروا حتى يعودوا إلى بلادنا ، فيمارسوا الإرهاب، وينفذون عملياته، كما كان الأمر بسلفهم العائدين من أفغانستان، وإنما وظفوا وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت، ليتخذوا منها ممرا سهلا لشحن الشباب، وحثهم على العمليات الإرهابية والانتحارية منها بالذات. إضافة إلى أن أحد الموقعين على البيان الأخير هو طائفي حتى النخاع، يُحرض على الشيعة السعوديين علنا وعلى رؤوس الأشهاد، فقد سبق له أن أصدر كتابا سماه (واقع الرافضة في بلاد التوحيد)، كالَ فيه للشيعة السعوديين كل تهم التكفير والإقصاء، على اعتبار أنهم ليسوا مسلمين؛ والكتاب موجود على شبكة الإنترنت؛ وإذا ربطنا ذلك الكتاب التحريضي المحض بالعمليات الإرهابية ضد مساجد الطائفة الشيعية الكريمة في بلادنا، اتضح لنا أن المنظومة واحدة ومتكاملة، يعضد بعضها بعضا، وأن الشجب الذي وجد مؤلف الكتاب نفسه مضطرا اليه بعد تلك العمليات الإرهابية، كان ذرا للرماد في العيون ليس إلا.
أما تملصهم من المسؤولية بالقول إن البيان لم يتطرق إلى تحريض الشباب السعوديين على الجهاد، فقول مردود عليه؛ فالمستهدفون في خطاب التحريض، هم الشباب الصحوي، ومن ثوابت الصحويين السعوديين وغيرهم من تيارات التأسلم السياسي، أنهم أًمميون، يعتقدون أن واجب الجهاد يقع على أمة الإسلام وليس قصرا على جنسية دون جنسية، ولا بمسلم دون الآخر، وإنما يسري على السعودي ما يسري على السوري، أو أي مسلم في أرجاء المعمورة؛ لذلك فإن البيان استخدم مفردة (النفير) ومفردة (الجهاد)، وهم يدركون تمام الإدراك، كيف سيتلقاها الصحوي المؤدلج؛ فشباب الصحوة هم عجينتهم التي عجنوها وشكلوا قناعاتها كما يريدون، ومن نافلة القول عند هذه الفئة إن دعوة النفير موجهة للأمة بغض النظر عن بلدانها ولا اين يكونون.
ثم إن النفير إلى الجهاد الشرعي هو من صلاحيات ولي الأمر فقط، لا يشاركه فيه لا شيخ ولا داعية، لقوله عليه الصلاة والسلام (إذا استُنفرتم فانفروا)؛ والذي يدعو إلى النفير هو ولي الأمر، صاحب البيعة؛ وطالما أن المسلم في عنقه بيعة، لا يجوز لأحد أن يُنازعه في صلاحياته، استنادا على حديث «عبادة بن الصامت» عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يُحدد فيه ضوابط البيعة الشرعية، من ضمنها (وألا ننازع الأمر أهله)؛ وبالتالي فإن دعوتهم للنفير الى الجهاد هي ضرب من ضروب (منازعة الأمر أهله).
ولكي لا نعض أصابع الندم، ونصحو يوما لنجد الدواعش يستهدفون الناس، ويقتلونهم، ويفجرون المساجد على رؤوس مرتاديها، فمن الواجب الملح، الذي لا مفر منه، مساءلة الموقعين على هذا البيان التحريضي، ولا نلتفت إلى تبريراتهم و لا إلى تملصاتهم، انطلاقاً مما يلي:
أولاً: أن الدعوة للنفير للجهاد هي حق أصلي وحصري من حقوق ولي الأمر، ومن تعدى على صلاحياته يكون في حكم من ينازعه فيما لا يجوز منازعته فيه، وهذ يتطلب ردعه شرعا.
ثانياً: أن من سيلتحق بالمجاهدين هناك سينضوي إما تحت راية (جبهة النصرة) القاعدية، أو تحت راية (داعش)، وكلتا المنظمتين نحن وإياهم على عداء سافر، وبالتالي فإن نصرتهم، هو كما اتضح لنا الآن، نصرة لأعداء الوطن والمواطن، وهذه خيانة وطنية مكتملة الأركان.
وختاما أقول: إن التسامح مع هؤلاء المحرضين، ومحاولة نصحهم ومجرد لومهم، ناهيك عن حوارهم، هو بالمختصر المفيد (تفريط محض)، فجلهم (كبار سن) ومع ذلك افتأتوا على ولي الأمر؛ يقول زهير بن أبي سلمى:
وإن سفاه الشيخ لا حلمَ بعده
وإن الفتى بعد السفاهة يحلمِ
إلى اللقاء.