محمد آل الشيخ
أدرك لماذا وقف المتأسلمون هذه الوقفة المنفعلة الغاضبة ضد كل من انتقد بيان التحريض على الجهاد الذي وقعه مجموعة من الدعاة والأكاديميين السعوديين مؤخراً، السبب أن الصحويين والمصفقين لهم شعروا كما لم يشعروا من قبل أن البساط بدأ ينحسر من تحت أقدامهم، وأن قيمتهم الاجتماعية والدينية بدأت تنحدر وما حدث في (الربيع العربي) من أهوال وكوارث ومجازر دموية، قد غير توجهات المجتمع الثقافية، فقد أدرك كثيرون، خاصة العقلاء، أن هؤلاء المحرضين، سواء عن حسن نية، أو سوء نية، أنهم أسهموا مساهمة فعالة من خلال بيانات تحريضية سابقة في صناعة هذه الوحوش الداعشية، وأن بيانا مندفعا، وغير مسؤول، سيزيد مأساة البلد، وسيُفاقمها أكثر.
المضحك في بعض الردود، خاصة قي الهاشتاقات على تويتر، أنهم صنفوا كل من تصدى لبيان التحريض على الجهاد، بأنهم إما صهاينة أصليون، أو متصهينون؛ رغم أن بينهم علماء أجلاء ولا أدري ما هي العلاقة بين التصهين والموضوع الذي نحن بصدده، وهذا يؤكد أن المهزوم إذا هزم، والمفلس إذا أفلس، أصبح يتخبط خبط عشواء في ردود أفعاله؛ وكنت أقول: إن داعش شر محض، إلا أنها كشفت لنا مآلات التحريض على الجهاد إذا فقد ضوابطه المشروعة وأهمها أن من يدعو إليه هو ولي الأمر (حصرا)، وليس من لا صفة له، كهؤلاء المفتأتين على صلاحيات ولي أمرهم.
النقطة الثاتية هنا، والتي لا بد أنهم يدركونها، ولكنهم يتجاهلونها، أن الحروب والدعوة إليها، هي من اختصاص الحكومات وليس الأفراد، وعندما يدعوا من لا صفة وظيفية وحكومية له إلى الحرب، تحت أي مسمى، هو في التعريف داعية إرهابي ‹والإرهاب - كما هو معروف - يحاربه العالم من أقصاه إلى أقصاه كما يحارب الأيدز والأوبئة القاتلة. ولابد أن ينتهي العالم يوما ما إلى ملاحقة الدعاة والمحرضين على الإرهاب مثل هؤلاء الذين يزعمون أنهم علماء!
والعالم اليوم ليس كما كان في الأمس الذي منه يستقون ثقافتهم ورؤاهم؛ فالدولة المعاصرة اليوم هي جزء من مجتمع دولي، ينضوي أعضاؤه في (منظمة الأمم المتحدة)، والموقعون على ميثاق هذه المنظمة ومن ضمنهم بلادنا ملتزمون به وبالتالي فمواطنو هذه الدول معنيون بالالتزام حكما بهذا الميثاق وبيان كهذا يدعوا إلى (حرب دينية) بمنتهى الوضوح والصراحة، سوف يحرج حكومة المملكة، لا سيما وأن الموقعين أطلقوا على أنفسهم (علماء)، وهذه الصفة أصبحت في المملكة صفة وظيفية، تمثلها (هيئة كبار العلماء)، وليس من الموقعين الاثنين والخمسين على البيان، واحداً من هذه الهيئة، وهذا قد يوحي ضمناً للعالم الخارجي وكأن علماء المملكة لهم موقف مخالف لموقف حكومتهم.
الأمر الثالث والذي أدركه الناس أخيراً، أن جميع هؤلاء المفتئتون على سلطة ولي الأمر الشرعية، والمصفقون لهم- (من جماهير المدرجات المتأسلمة) لم يعرف عنهم قط أنهم (بعثوا) أولادهم فضلا عن أن يكونو قد ذهبوا بأنفسهم، إلى ما يدعون إليه من جهاد، وعندما سُئل ابن أحد المصفقين والمؤيدين لهم: لماذا لا تذهب أنت للجهاد الذي تدعو إليه أنت ووالدك، قال: أنا أجاهد بطلب العلم! (اسم الله على أم جابتك)..
وختاما أقول: إن رفض أغلبية السعوديين لهذا البيان غير المسؤول، وغير النظامي وغير الملتزم بضوابط الجهاد الشرعية، يؤكد أن الوعي لدى المواطن السعودي بدأ يتخذ اتجاهه الصحيح بعد أن سيطر عليه المد الصحوي طوال ثلاثة عقود مضت.
إلى اللقاء