إبراهيم الطاسان ">
ما بين مخلوق ومتخلق، كما بين الطبع والتطبع، فالإنسان يولد على الفطرة، ودل عليه الحديث الصحيح «ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه...إلخ» الفطرة خُلقه وطبعه، والتخلق والتطبع خليقته. أما المخلوقات الأخرى غير المكلفة، فلا تتخلق، ولا تتطبع، ولا تتهود ولا تتنصر ولا تتمجس، بل تمارس طبيعتها ومهاراتها وحياتها كلها وفق الناموس الذي خلقها الله عليه مهيئة لما خلقت له. منها ما هو قابل للاستئناس، كالخيل والإبل، والطيور والقطط والأسود...إلخ، والاستئناس لا يغير من طبيعتها، إنما يؤهلها لعدم الخوف والهروب بعيداً عن البشر بالاعتياد عليهم، ولكن اعتيادها هذا لا يغير من طبيعتها على الإطلاق. فلا تستطيع أن تجعل الناقة تجالسك وتتناول معك فنجاناً من القهوة، أو أن أسداً مستأنساً ينسى عند الجوع أنه مفترس وانه يفضل تناول كبسة رز بشاوري معك على أن لا يأكلك.
ومن المخلوقات ما يحكمها ناموسها وتستعصي على الاستئناس، كالعقرب تمارس طبيعتها معك باللدغ كلما تمكنت منك. وهنا تحضر قصة رجل جالس بجانب بركة ماء، فشاهد عقرباً تتخبط في الماء تحاول إنقاذ نفسها، وحولها أعواد وأحجار بإمكانها التسلق عليها والخروج من الماء، ولكن ناموسها أنها مسيرة، لا تملك خاصية التفكير والحيلة في كيفية انقاذ نفسها بالخروج من الماء، فمد الرجل يده لينقذها، فلدغته العقرب، وبعد قليل من الوقت حاول مرة أخرى فلدغته العقرب مرة أخرى. والحديث الصحيح «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين»، العقرب مجبولة على لدغ ما يصادفها ويمس جلدها، لا تفرق بين من يحاول إنقاذها وبين من يريد قتلها، لذا لا تأنس للمستأنس، واذا حاولت حصرها في مكان ما، وواليتها بالرعاية وإشباعها بتقديم طعامها المفضل فلن تتأخر عن لدغك وحقن جسدك بسم زعاف متى ما اقتربت منها، ولو بعصاك الطويلة لامستها وقلبتها لتتعود على ملامسة الأشياء لها رفعت عقيرتها للدغها.
بمراقبة طريقة انقضاض العقرب على فرائسها، تشاهد أنها تقترب حتى تكون من الفريسة على مقدار ما تتمكن من إحاطة الفريسة بكلاليبها، فتحيط بالكلاليب على الفريسة ثم تغرس شوكة عقيرتها فيها على قدر ما يشلها السم عن الحركة، فتبدأ بامتصاصها. والعقرب نموذج باذخ للتمثيل بها على إيران الفارسية، فإيران الفارسية منذ ثورتها الخمينية وهي ساعية «لكولبت» الجزيرة العربية. لم تنس ولن تنس قائد جيش خليفة خليفة رسول الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، القائد: سعد بن أبي وقاص، الذي صلى صلاة الشكر لله في «القصر الأبيض» مقر ملك الفرس بعاصمته «المدائن» وما لحق ذلك النصر بنصر الله العظيم للمسلمين بنهاوند «فتح الفتوح» بقيادة النعمان بن مقرن، الذي ألحق بهم هزيمة ساحقة ماحقة، فتشتت جمع الفرس ولم تقم لهم في ظل الدولة الإسلامية قائمة.
ولم تنس ولن تنس ذلك كله إيران من إطفاء نار مجوسيتها، لذلك مدة كُلابها على العراق حتى تمكنت منه بأذرعها القذرة كنوري، ومليشياته. وهي في ذات الوقت تحاول أن تحيط بما تراه فريسة سهلة من خلال كُلابها، وكِلابها الحوثيين في اليمن، وهي التي لا يخامر يقين المتمعن فيما جرى في حالة التدافع في منى، من حيث المكان، والزمان والأسلوب، إنه تدافع مقصود ومخطط، وما تلى ذلك وقبله من تصاريح وانتقادات، كِلابها الموثقة برقابها كنوري المالكي، الحوثي. ومشبوهة كالصحفي اليمني محمد المقالح الى المخطط الايراني، وأن لا مصلحة أو شبهة في مصلحة من الإفساد في الأرض وخاصة ارض الحرمين الشريفين إلا لإيران الفارسية. فقد نخمن ونخطئ، ولكن الدلائل تحيل على صحة التخمين، أن إيران قدرت فخططت، وحسبت أنها في موسم الحج لهذا العام تكون قد أحكمت كُلاَبها بواسطة كِلابها في كل من اليمن والعراق حول المملكة العربية السعودية، وان التدافع سيكون شرارة الانطلاق من الحدين، لبث الفوضى العارمة على الحدود مع الجهتين، لتذرف دفقات من سمومها في الجسد العربي.
ولم يعلم، ولن يتعلم أحفاد الفارسية الساسانية، وإسماعيل بن حيدر الصفوي، والخائن بن العلقمي أنهم أحفاد صَيْدَ، أولئك الصِيدا، سعد بن أبي وقاص الزهري القرشي، والنعمان بن مقرن المزني، وأن التاريخ يعيد نفسه فإن لم يكن في نهاوند ففي صنعاء، وان لم يكن سعد بن أبي وقاص، فسلمان بن عبد العزيز، سلمان العزم والحزم، وصدق فينا قول الشاعر:
إذا مات منا سيد قام سيد
قوول لما قال الكرام فعول
ولو لم يكن فينا أحفاد أولئك الصِيدا لكانت أحاطت بنا كلاليب عقارب أحفاد المجوس.