صالح بن محمد المالك
تعمل وسائل الإعلام مع بعضها البعض في منافسة حادة وقوية للحصول على السبق الإعلامي في تغطية الأحداث الإرهابية أو بث الرسائل الإرهابية التي يقدمها رؤساء الجماعات الإرهابية، لكي يحصلوا على اكبر قدر من المشاهدة ومنافسة القنوات الإعلامية الأخرى بالحصول على المشاهدة الجماهيرية الاكبر، ونتيجة للشعبية الكبيرة التي حصلت عليها بعض الوسائل الإعلامية من خلال تغطيتها المباشرة والمتميزة للأحداث الإرهابية مع تميزها بالمصداقية والشفافية بعيدا عن المبالغة الغير منطقية، يترتب على هذا الحصول على اكبر قدر من المعلنين وبالتالي دعم ميزانية الوسيلة الإعلامية نتيجة لتزايد الإعلانات، لأن معدلات المشاهدة تعتبر حجر الزاوية للمنافسة الإعلامية. وبطبيعة الحال هناك أسباب أخرى قد تلعب دوراً كذلك مثل الاهتمامات الشخصية للإعلاميين ومسؤوليتهم في نقل الأحداث... فالإرهاب في النهاية يعتبر أخباراً ويجب تغطيته.
لكن. العامل المشترك الرئيسي فيما بين الوسائل الإعلامية هو عدد المشاهدين أو القراء للتغطية الإعلامية للإرهاب.
وكما يحتاج الإرهابيون الى الجمهور كذلك الإعلاميون يحتاجون إلى الجمهور حتى يستمروا في العمل. وارتفاع معدلات المشاهدة ترتبط مباشرة بدخل الإعلان.. وهكذا كلما زاد الجمهور الذي يشاهد الأخبار في وسيلة معينة كلما زاد دخل القناة.
تقول إحدى الباحثات: ان وسائل الإعلام تتم مكافأتها على (بث الإرهاب)، وذلك بسبب منافستهم على حجم الجمهور والتوزيع.
ويقول أحد الباحثين: أن هناك عرضاً مبالغاً فيه للمواد الإعلامية التي «تقطر» دماً في وسائل الإعلام. نزيف الدماء ليس هو الخاصية الوحيدة التي يجب أن تتصف بها المادة الإعلامية حتى تكون جاذبه لوسائل الإعلام. الهجمات الإرهابية تقدم «ما تعشقه» الوسائل الإعلامية المعاصرة - الدراما ونزيف الدماء والاهتمامات الإنسانية هذا الاهتمام بالمواد الإعلامية ذات الطابع الإنساني والدراما تؤدي إلى تغطية إعلامية مبالغ فيها للنشاط الإرهابي.
الأخبار من المنظور الإعلامي هي غير العادية و»الدراماتيكية» الإرهاب يتناسب مع هذه الأوصاف: غير العادية «والدراماتيكية».
وباختصار... الإرهاب يتصف بالعديد من الجوانب التي تجعله موضوعاً جاذباً لوسائل الإعلام.
كانت المنافسة ولا زالت عاملاً مهما.. خلال العقود الأخيرة حيث زاد عدد الوسائل الإعلامية وأصبحت المنافسة أكثر حدة بين وسائل الاعلام اذا ترغب كل وسيلة أن تكون الأولى في عرض الأحداث والتأكد من أن الجمهور يشاهد قناتها وليس قناة أخرى كما يستمر في المشاهدة والمتابعة.
إن التغطية السريعة للأحداث الارهابية تعتبر المقياس الحقيقي للنشاط الاعلامي للوسيلة الاعلامية، مما بجعلها في مصاف الوسائل الاعلامية الاولى في المتابعة.
وتحاول بعض القنوات التلفزيونية الفضائية النقل المباشر من مكان الحدث كلما امكن ذلك لتحظى بنسبة اكبر من المشاهدة، لان المشاهد يفضل مثل هذه التغطية، وبالتالي يستمر في المتابعة، وقد تضطر القناة الى اعادة بعض لقطاتها لتحتفظ بجماهيرها وقد تكسب جماهير أخرى.
إذا الجمهور حريص على متابعة الاحداث بوقتها ويفضلها على الهواء مباشرة وهذا ما تسعى له بعض القنوات الفضائية (غير الحكومية)، ولكن بعض القنوات الحكومية قد لا تستطيع مجاراة هذه القنوات، اذا قد تحتاج الى الموافقة على نشر بعض الاحداث، مما يجعلها في مراتب متأخرة في المتابعة الجماهيرية، اذ يبحث الجمهور دائما الى الاحداث الجديدة المنقولة على الهواء مباشرة، وهذا ما يعطي لهذه القنوات الاولوية في المتابعة، والقدر الاكبر من الاعلانات التجارية. وهذا من اهم اهداف القنوات (غير الحكومية).
إذا كانت هناك هجمات إرهابية وكانت هناك لقطة مصورة جاهزة، فإن كل قناة سوف تبثها في وقت معين. كلما تم تغطية الحدث وتقريره بسرعة كان ذلك أفضل من منظور الوسائل الإعلامية.
يقول أحد الخبراء: السرعة تلعب دوراً محورياً في التغطية الإخبارية الكونية.
كانت الأخبار فيما مضى يمكن تحريرها ورقابتها أحياناً لعدة أيام قبل إقراراها للبث العام. اليوم الجمهور يتطلب وقت ردود أفعال الإعلام مقاساً بالساعات أو حتى الدقائق.
أحياناً.. قد يكون بعض الأسباب الشخصية بسبب ما يسمى «النجومية الإعلامية» بعض مقدمي الأخبار يصبحون مشهورين عندما يغطون أحداثاً مثل الهجمات الإرهابية الكبرى.
إذاً.. إن دور المنافسة والسرعة في البيئة الإعلامية له تأثير حاسم على معظم التقارير الإعلامية خاصة وقت الأزمات والحوادث الإرهابية.
الإعلام الجديد (التفاعلي) والإرهاب
قدمت ثورة الاتصال وتقنية المعلومات شكلا جديدا من اشكال الاعلام وهو ما عرف بالإعلام الجديد او الاعلام البديل ذلك الاعلام الذى اتاح امام مستخدميه شكلا جديدا لتبادل المعلومات والآراء وهو الاعلام التفاعلي، ولعل شبكات التواصل الاجتماعي وعلى راسها الفيس بوك وتوتير ويوتيوب هي اكثر اشكال هذا الاعلام انتشارا وشيوعا بين مستخدمي الانترنت ذلك انها مكنت مستخدميها من خلال ما تملكه من ادوات التعبير عن آرائهم ومشاركتهم للغير فيما يقع من احداث بل والمشاركة في صناعة الاحداث ايضا.
وقد بدا الإرهابيون باستخدام وسائلهم الخاصة عن طريق الانترنت، وأصبحوا يقدموا رسائلهم بعد إعدادها وصياغتها وإخراجها بشكل احترافي مستخدمين أفضل وسائل التقنية الحديثة للوصول إلى الجمهور المستهدف بأقصر وأسهل الطرق.
ونتيجة لتنامى دور هذه الشبكات فقد وجدت الجماعات الارهابية فيها متنفسا - ارضا خصبه - تستطيع من خلالها تحقيق العديد من اهدافها سواء ما تعلق منها بنقل آرائها ومعتقداتها الى اكبر عدد من الجماهير المستهدفة او اثارة الرعب والفزع في نفوسهم من خلال ما يتم نشره من صور وفيديوهات، او تحقيق التواصل فيما بينهم بعيدا عن رقابة مؤسسات الدولة المعنية ودون وقوع مصادمات مباشرة تحتوي على قدر من المخاطرة والتهديد لهم مع تلك المؤسسات.
لقد ظهر التزاوج بين الإنترنت والإرهاب بشكل أكبر وضوحاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، فلقد انتقلت المواجهة ضد الإرهاب من مواجهة مادية مباشرة واقعية انتقلت إلى الفضاء الإلكتروني، حيث أصبح الإنترنت من أشد وأكبر الأسلحة الفتاكة.
ينقل عن أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة قوله بالحرف (...إننا نخوض أكثر من نصف معركتنا في الساحة الإلكترونية والإعلامية). وقدم نصيحة لكوادره قائلاً: (عليكم أن تدركوا أن كل لقطة تلتقطونها هي بأهمية صاروخ يطلق على العدو...).
ويقول أحد مسئولي الإرهاب في وكالة الصحافة الفرنسية «الإرهابيون لا يحتاجون لنا بعد الآن لنشر رسائلهم...» الإعلام الرسمي، تم استبداله بالإنترنت الذي يعتبر أكثر سهولة في الاستخدام وأكثر سرعة وأكثر تأُثيراً، المجموعات الإرهابية لديها الآن مواقعها الإلكترونية التي من خلالها يستطيعون إيصال دعايتهم...»
ومن هنا يجب أن نعلم بأن للإعلام التقني ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة أدوارا مهمة وخطيرة في حياة الأمم والمجتمعات. وللحقيقة فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الحديث ضرورة ملحة في حياتنا المعاصرة. كما أنه ومع وسائل التواصل الاجتماعي، فقد بات من السهل أن يتطرف الشاب وهو في غرفة نومه، أو من خلال هاتفه الجوال، وليس من منزله فحسب، وبعيدا عن أعين أهله وأصدقائه، وحتى مدرسيه، فانتشار الفكر المنحرف المتشدد والفتاوى الضالة، بفعل الانفلات الإعلامي وازدهار وسائل الاتصال الجماهيري، والذي له بلا شك انعكاسات كبيرة وخطيرة على ظاهرة الإرهاب، مما نتج عنه زيادة ملحوظة في الأعمال الإرهابية والغلو والتكفير.
ومن المهم أن نعرف بأن الإرهابي بالأمس كان يتسلح ببندقية وقنبلة، أما إرهابي اليوم فيتسلح بجهاز حاسب محمول وآلة تصوير. وهذا الذي حول الإنترنت لأداة رئيسة في النشاط الإرهابي الدولي. فلقد خدم الإنترنت الخلايا الإرهابية من حيث تضخيم الصورة الذهنية لقوة وحجم تلك الخلايا التي تمتلك عدداً قليلاً من الأفراد لديهم أو لدى أحدهم خبرة بالإنترنت وبرامج الملتيميديا لبث رسائل إعلامية تخدم أهدافهم لشن حرب نفسية ضد مستهدفيهم والدعاية لأهدافهم وأنشطتهم بعيداً عن وسائل الإعلام التقليدية.
يجب أن نعرف أن الوجود الإرهابي النشط على الشبكة العنكبوتية متنوع ومراوغ بصورة كبيرة، فإذا ظهر موقع إرهابي اليوم فسرعان ما يغير نمطه الإلكتروني، ثم يختفي ليظهر مرة أخرى بشكل وعنوان إلكتروني جديدين بعد فترة قصيرة. ومما لا شك فيه أن الإرهاب الإلكتروني والمعلوماتي هو إرهاب الغد والمستقبل نظراً لتوسع وتعدد وتنوع مجال الأهداف التي يمكن مهاجمتها مع توفير قدر كبير من السلامة للمهاجمين وعدم تعرضهم لخطر اكتشاف هوياتهم أو حتى المواقع التي شنوا هجماتهم منها إلا بعد وقت طويل وجهد في البحث.
وللأسف لقد أصبح اليوم وفي عصر الإرهاب الرقمي الحاسب الآلي وكاميرا الفيديو المحمولتين باليد أصبحت بأهمية وخطورة الكلاشينكوف وقذيفة (الار بي جي). ولقد استغل الإرهابيون الحاسب الآلي والكاميرا إلى أقصى حد ممكن فأصبحت تقدم أدلة عسكرية ودورات تدريبية على شكل كتب وأفلام وسلايدات (باور باوينت) تتضمن معلومات شتى عن الأسلحة والتكتيكات والاغتيالات وصنع المتفجرات والسموم.
لقد أصبحت شبكة الإنترنت الواسعة وكأنها معسكر تدريب افتراضي للإرهابيين. ومن المحزن ان لغة الغالبية العظمى في هذه المواقع هي العربية, وهي تدعو للجهاد وفي الوقت نفسه تعلم أصول صنع المواد المتفجرة والأحزمة الناسفة وغيرها. هذه المواقع الإرهابية والمتطرفة من الصعب جداً تعقبها لأنها تظهر على الشبكة الإلكترونية ثم تختفي سريعاً. والأصعب من ذلك معرفة وتتبع الأشخاص خلفها والمسؤولين عنها، وذلك لأن إمكانية إخفاء الهوية على الإنترنت تزداد سهولة.
ويعتمد الارهاب الإلكتروني على استغلال الإمكانات العلمية والتقنية, واستخدام وسائل الاتصال والإنترنت, من أجل تخويف وترويع الآخرين, وإلحاق الضرر بهم, أو تهديدهم وتدمير مرتكزات التنمية في البلاد ونشر الفوضى والدمار والدماء لأهداف فاسدة ومنحرفة ونشر الإشاعات الكاذبة بين الناس مما يؤدي لنشر الخوف والهلع بين الجمهور.
وإذا كان التقاء الإرهابيين في مكان معين لتعلم طرق الإرهاب وتبادل الآراء والأفكار والمعلومات أصبح صعباً في الواقع, حيث يحتاج أماكن واسعة وبعيدة عن عين الرقيب, والحرية في الحركة وغيرها, فإن الإنترنت سهلت هذه العملية كثيراً، إذ يمكن أن يلتقي عدة أشخاص في أماكن متعددة حول العالم في وقت واحد ويتبادلون الحديث، بل يمكن لهم أن يجمعوا لهم أتباعاً وأنصاراً عبر إشاعة أفكارهم ومبادئهم من خلال مواقع الإنترنت ومنتديات الحوار أو ما يسمى بغرف الدردشة.
إن المواقع الإرهابية والمتطرفة تتطور بسرعة هائلة من حيث التصميم والإمكانات التقنية. ولقد تنبه الإرهابيون مبكراً جداً إلى الإمكانات التي يقدمها الإنترنت مما جعلهم يطورون تقنياتهم فيها. وللأسف فما زالوا يحافظون على سعيهم الدائم للتطور والتواجد الدائم والتنظيم الإلكتروني. ويرجع اهتمام تلك التنظيمات المسلحة بوسائل التواصل الاجتماعي لعدة أسباب منها، البعد عن سيادة الدول كما هي الحال في وسائل الإعلام التقليدي، وإتاحتها للجميع، وصعوبة السيطرة عليها عبر الأجهزة الأمنية، إضافة إلى قدرة تلك الجماعات على التحايل على المراقبة الأمنية وفتح مواقع وحسابات أخرى بسهولة. وتوفر مواقع التواصل لهذه التنظيمات منصات إعلامية للدعاية لأنشطتها وأفكارها، كما تساعد التنظيمات في حربها النفسية ضد خصومها من المنظمات المسلحة الأخرى والحكومات. إمكانية النشر المكثف للصور والأفلام والوثائق التي تدعم الأفكار التي تروج لها، بجانب نشر الأفكار والدعاية للتنظيمات، تستهدف التنظيمات المسلحة تجنيد أعضاء جدد للقتال في صفوفها، وتستهدف هذه الجماعات ثلاث فئات هي:
الفئة الأولى: المتعاطفون مع الفكر الجهادي وغالبيتهم من الشباب لاستمرار الحصول على دعمهم.
الفئة الثانية: الرأي العام من أجل تأكيد نفوذ التنظيمات الجهادية في المجتمع، إما بغرض الحشد والتأييد أو التخويف من مواجهتها.
الفئة الثالثة: الخصوم من أجهزة الدول ومؤسساتها الأمنية، وذلك بهدف إضعاف موقفهم، والتأثير على هيبتهم، وإظهارهم بمظهر العاجز في مقابل قوتها.
ولعل هذا هو ما دفع ببعض الدول الى اتخاذ مجموعة من الاجراءات التي تمكنهم من فرض الرقابة على المحتويات التي يتم تبادلها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وبالرغم من ان الدفاع عن امن مجتمعاتنا ضد الإرهاب الإلكتروني هو من الاهمية بمكان الا ان هذا الدفاع قد يستلزم اتخاذ بعض التدابير التي قد تؤدى في بعض الدول الى انتهاك الخصوصية وتقليص التدفق الحر للمعلومات وتقييد حرية التعبير، مما يمثل ثمنا باهظا من حيث تقلص الحريات المدنية، فمع تضاعف الاخطار المترتبة على الممارسات الارهابية اتجهت الدول على اختلاف ايديولوجياتها الى هذا المنحى تجاه وسائل الاتصال خاصة تلك التي اتاحتها تكنولوجيا الاتصال الحديثة نظرا لما لها من امكانيات تم استغلالها بأسواء الاشكال من قبل الجماعات الارهابية.
وبالرغم من تعدد وتباين اشكال الرقابة التي تم فرضها من قبل الدول المختلفة على تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال الحديثة الا ان جميعها اشتركت في تحقيق هدف واحد وهو حماية مجتمعاتها من خطر الممارسات الإرهابية.
الآثار الاجتماعية للتغطية الإعلامية للإرهاب.
لا أحد ينكر أهمية وخطورة دور وسائل الإعلام وعظم تأثيرها سلبا أو إيجاباً، فوسائل الإعلام أضحت اليوم عاملا فعالا وهاما لا يمكن إغفاله في التأثير في حياة الأفراد والشعوب وأفكارهم ومعتقداتهم خاصة في ظل هذا التنوع الكبير في وسائل الاعلام والياتها، كما يلعب الاعلام دورا هاما ومؤثرا في انطباعات الرأي العام واتجاهاته، وصياغة مواقفه وسلوكياته من خلال الاخبار والمعلومات التي تزوده بها وسائل الاعلام المختلفة. اذ لا يستطيع الشخص تكوين موقف معين او تبني فكرة معينة الا من خلال المعلومات والبيانات التي يتم توفيرها له. ولا شك بان ظاهرة الارهاب تحظى باهتمام الشعوب والحكومات في شتى انحاء العالم لما لها من آثار خطيرة على امن الدول واستقرارها، بعد ان اتضح اننا امام ظاهرة اجرامية منظمة تهدف الى خلق جو عام من الخوف والرعب والتهديد باستخدام العنف ضد الافراد والممتلكات؛ مما يعني ان هذه الظاهرة الخطيرة تهدف الى زعزعة استقرار المجتمعات والتأثير في اوضاعها السياسية وضرب اقتصاداتها الوطنية عن طريق قتل الابرياء وخلق حالة من الفوضى العامة، بهدف تضخيم الاعمال الارهابية وآثارها التدميرية في المجتمع، بما يتناسب مع القاسم المشترك الذي امكن التوافق عليه بين تعريفات الارهاب المختلفة، والذي يرى في الارهاب استخدام غير مشروع للعنف يهدف الى الترويع العام وتحقيق اهداف سياسية.
والإرهاب يبحث عن الأضواء، لإثارة البلبلة وإحداث الرعب الجماهيري الذي هو مقصده الأساسي. إنه يسعى إلى السيطرة على النفوس من خلال نشر وقائع إنجازاته المخيفة. أما هدفه من وراء ذلك فهو التسلل إلى مقومات الصمود لدى الرأي العام، ودفعه إما إلى الاستسلام والهروب، أو إلى التسلح بردّات الفعل السلبية المتمثلة بإثارة النعرات الطائفية والعقائدية وبالتالي اللجوء إلى فوضى العنف التي تخدم المخططات الإرهابية الدخيلة.
وجدير بالذكر الإشارة إلى أمر جوهري غاية في الأهمية في العلاقة التى تجمع بين الإعلام والإرهاب، وهو أن وقوف وسائل الإعلام موقف المتفرج أو الذي يدير ظهره للعملية الإرهابية من شأنه أن يسيء إلى موضوعية العمل الإعلامي ومصداقيته، القائمة تزويد الجمهور بالمعلومات والأخبار المتعلقة بالأحداث التي تقع هذا من جانب، ومن جانب آخر قد يؤدي تسليط الضوء على العملية الإرهابية وإعطاؤها أكبر من حجمها إلى تحقيق الأهداف والغايات التي يسعى اليها منفذو العملية الإرهابية أو من يقف وراءها. ولكن التغطية الاعلامية المعقولة دون افراط او تفريط، ودون مبالغة او تحجيم من خلال نقل المعلومة الصحيحة عن الحدث من مكان الحدث الارهابي لتوعية الجمهور بمجريات الامور، وهذا من الناحية الإعلامية توجّه إيجابي وخصوصاً على صعيد التوعية الجماهيرية وإثارة الصحوة واتخاذ تدابير الحيطة والحذر، إضافة إلى إحداث حالة من اليقظة والتأهب في صفوف المسؤولين ودفعهم إلى ممارسة مسؤولياتهم بالسرعة المطلوبة. إلاّ أن المبالغة في تصوير الأضرار، والنقل المقصود لوجهات نظر الإرهابيين، والتي يقصد بها إثارة الخوف والنعرات الطائفية، قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية قد لا تُحمد عقباها.
ومن الاثار الاجتماعية السلبية للمبالغة في التغطية الاعلامية للأحداث الارهابية، تحفيز فئات اجتماعية مسحوقة او جماعات عرقية وقومية ومذهبية مهمشة الى سلوك الخيار الارهابي، كما قد تؤدي الى بث بعض من البلبلة والغموض مما قد يؤدي الى هروب بعض الفاعلين او عدم القدرة على تحديد الجهات القائمة بالعمل الارهابي، وقد تؤدي الى تعاطف بعض الجمهور مع الارهابي، مع اضفاء صفة البطولة والشجاعة على القائم بالعمل الارهابي. وقد يترتب على ابراز القصور في العمل الامني الى اظهار عجز الاجهزة الامنية عن حماية الناس وممتلكاتهم.
وقد تؤدي المنافسة الإعلامية المستعرة بين وسائل الإعلام المختلفة في بعض الحالات إلى الإخلال بمهنية ومصداقية العمل الإعلامي، وذلك عبر السعي الدؤوب للحصول على أي معلومات أو أخبار من شأنها أن تحقق ما يطلق عليه الإعلاميون بـ «السبق الإعلامي»، مما قد يؤثر سلبا على مسار ومنحني العملية الإرهابية، وآلية تعاطي الأجهزة الأمنية مع الحدث الإرهابي المنظور.
كما ان استخدام شبكة الإنترنت ومواقعها المتعددة، والجيل الثالث من الهاتف النقال وما بعد - تلعب دوراً بالغ الأهمية والخطورة معاً في بعض الأحيان في تيسير عملية نقل التعليمات الإرهابية للخلايا النائمة أو النشطة، أو بناء اتصالات جديدة مع جماعات حليفة، وأيضاً في ترويج بعض عناصر ومكونات ثقافة العنف والإرهاب وتقنياته عبر نشر أساليب ووسائل صنع الأسلحة والمتفجرات.
ما هو الدور الذي يجب أن تقوم به وسائل الإعلام
إن الحصول على السبق أو الخبر الاعلامي هو الهدف الأساسي لأي صحفي أو إعلامي، ولكن عندما تصبح الدولة في مواجهة الإرهاب فيجب تغليب المصالح الاستراتيجية العليا للبلاد على أي مصلحة اخرى.
يجب على وسائل الاعلام ان تقوم بدورها الفاعل في التغطية الاعلامية للأحداث الارهابية بعيدا عن العشوائية والارتجالية متسلحة بسلاح المسئولية الاجتماعية دون تهويل او تهوين، وان تبحث عن المعلومة الصحيحة من مصادرها الاصلية، وان تتحلى بالشفافية والمصداقية، كما يجب عدم اعطاء الجماعة الارهابية اكبر من حجمها في التغطية الاعلامية. بل التعامل مع القائمين بالأعمال الارهابية على انهم مجرمون خونة، وانهم يعملون لمصلحتهم الخاصة او لمصلحة جهات اخرى خارجية بهدف زعزعة الامن ونشر الفوضى. كما يجب على وسائل الاعلام البعد عن تقديم أي خبر او معلومة تخدم الارهابين والاعمال الارهابية. بل يجب تعريتهم وفضحهم واظهار عيوبهم وتوضيح حقيقتهم الارهابية، بعيدا عن اظهارهم والمبالغة في الحديث معهم او التحدث عنهم، وعدم منحهم أي فرصة لاستغلال وسائل الاعلام لأهدافهم الشخصية العدوانية، والابتعاد قدر الإمكان عن الإثارة في طريقة نشر الأخبار المتعلقة بالأحداث الإرهابية. وينصح بالتعامل معها كأحداث مأسوية عادية لمنع الإرهاب من اكتساب صفة البطولة واتخاذ الحيطة والحذر في ما يتعلق بنشر أحاديث تتناول الأحداث الإرهابية وخصوصاً تلك التي توصل الآراء المؤيدة لوجهات نظر الإرهابيين إلى الرأي العام. وهو تدبير من شأنه منع الإرهاب من استغلال الإعلام للبروز.
إن إخفاء الحقائق يضعف بدون شك صدقية الاعلام، ومن هنا ضرورة التركيز على طريقة صياغة الخبر بشكل يؤمن إيصال الحقيقة، ومراعاة عدم تأثيرها سلباً في نفوس المواطنين.
مع الأخذ بالاعتبار أن الاعلام رسالة نبيلة هدفها نشر الخبر مع المحافظة على اللحمة الاجتماعية وتعزيز دور المؤسسات الوطنية بغض النظر عن الميول الفردية للإعلاميين. والأهم هو تفويت الفرصة على الإرهاب للاستئثار بالإضاءة الإعلامية التي يسعى إليها، وهنا تكمن مسؤولية وسائل الإعلام، وخصوصاً المحلية منها، والتركيز على البرامج التي تظهر وحشية الإرهاب ودناءته مهما كان هدفه وانتماؤه. وان توضح وسائل الاعلام ان ما تم القيام به هو عمل ارهابي مشين، مع ضرورة توضيح الاضرار الجسيمة التي سببتها الاحداث الارهابية ضد الدولة والمجتمع، وتوضيح الاضرار التي تعرض لها المواطنون والمقيمون سواء كانت اضرار مادية او بشرية والمعاناة التي لحقت بالجميع من جراء الاعمال الارهابية الغادرة، وتحفيز المواطنين والمقيمين للعمل يدا واحدة مع الاجهزة المعنية للتعاون في القضاء على الارهاب والمؤيدين والداعمين له.
وهنا تبرز اهمية توظيف الاعلام من قبل الجهات الأمنية المعنية في بث رسائل اعلامية ارشادية وتثقيفية وتوعوية تنطوي على تطمينات وضمانات من شأنها تشجيع المواطن وحفزه وحثه على المشاركة في المنظومة الأمنية من خلال قيامه بتمرير أي معلومات من شأنها الاسهام في كشف خيوط جريمة وقعت هنا او هناك او الحؤول دون وقوعها اصلا. بحيث نضمن التخلص من بعض الأنماط والمفاهيم والتفسيرات الخاطئة والسلبية التي تسيطر على اذهان بعض المواطنين بصورة افرزت عندهم عقدة الخوف والرهبة والتردد عند التعاطي مع القضايا والمسائل ذات البعد الامني. ما يجعلنا نثمن عالياً قيام ادارات الامن العام بتكريس مفهوم الشرطة المجتمعية، الذي يستهدف كسب ثقة المواطن وتعاونه واشراكه في الشأن الامني, بما يعزز من وعيه الامني وثقافته الامنية، مع ضرورة التحلي بالقيم والاخلاق الحميدة بعيدا عن التطرف والارهاب والتفجيرات الهمجية.
الى جانب التصدي للمعلومات الهدامة التي تبرز على شبكة الانترنت ومعالجتها من خلال التشريعات الكفيلة بإغلاق مثل هذه المواقع التي تروج للعنف وللأفكار المتطرفة، ولا سيما المواقع التي تنسب نفسها الى الاسلام وتقدم صورة مشوهة عن الدين الحنيف. مع ضرورة توفير كادر اعلامي متخصص ومتدرب على التعامل مع الاحداث الارهابية وتغطيتها بالشكل المناسب الذي لا يخدم العمل الارهابي، واهمية الاستعانة بالخبراء والمختصين في المجالات الامنية والاجتماعية والنفسية والتربوية.
كما ارى من الاهمية بمكان ضرورة الاستفادة من الاستراتيجية الاعلامية العربية لمكافحة الارهاب التي اقرها مجلس وزراء الاعلام العرب في شهر مايو/ايار 2015. والتعاون في العمل على تنفيذها على ارض الواقع.
** ** **
* جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية - عمان - الأردن - 2015