د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عنوان المقال ليس من بنات أفكاري، وإن كان مشاعا ومتاحا، إنما هو اسم للمؤتمر الدولي التربوي الذي عقد في رحاب كلية التربية بجامعة الملك سعود في منتصف الأسبوع الماضي تلك الكلية القافزة للأمام دائما كعادتها التي تتبّع مساقط الغيث لتعانق حاجات التعليم ومخرجاته إيمانا منها أن خصوبة البحث العلمي تصل وتفصل في أحيان كثيرة، وذاك المؤتمر اختص بالرؤية حول إعداد معلم المستقبل وتطويره؛ وسعت له كلية التربية بالجامعة كونها إحدى المصانع الحيوية لإعداد المعلمين في بلادنا ودائما ما تحُثّ الخطى للاستفادة
من المبادرات في مجال إعداد المعلم، وكذلك عرض التجارب الدولية في ذات المجال، ومناقشة سبل الإفادة منها كما تتبنّى كثير من المبادرات الواعدة، وقد تزامن انعقاد المؤتمر مع احتفاء العالم باليوم العالمي للمعلم المصادف للخامس من شهر أكتوبر الحالي اتكاء من القائمين على المؤتمر على أهمية تراكم الوعي والخبرة لذلك العملاق الذي تتم من خلاله الحضارات؛ ذلكم هو المعلم الكفؤ الذي ينشده الواقع التنموي، ومن منبري هذا ومع هذه الانطلاقة الواعية من جامعة الملك سعود التي لم تكن الأولى وحتما لن تكون الأخيرة في شأن المعلم وإعداده؛ فكل الدوائر المحيطة بواقع المتعلمين في سباق؛؛؛ لعلي أطلق عليه مجازا سباق حضاري ليدعم واقع المعلمين وفق رؤية الصياد، وحتى نكون أقرب للصواب فإن كل صيد موجه لواقع المعلمين لابد فيه من إصلاح النظام والممارسات في دائرة الصيد، وإلا فالسنارة حتما سوف تلتقط صيدا يموت في الطريق؛ نعم إن الحراك نحو إعداد المعلمين يحظى من قيادتنا الرشيدة بمقدّرات مادية كبرى، ولكن ما الذي يحجب عن المتعلمين فضائل ذلك الإعداد، ويعجزهم عن خوض مغامرة الفضول والمعرفة على الرغم أن كل الفضاءات مفتوحة على الممكن والمتاح والمستحيل؟!! أيكون ذلك هو اليقين بالدور والنتيجة عندما يصبح قاصرا، وإن لم يكن ذلك تعميما؟!!، ولكن دوائر البين بين المعلم والمتعلم تتسع مع اتساع الحراك في محيطنا التعليمي الذي أذهل الوفود الزائرة لبلادنا، ومن هنا أطرح سؤالا خجولا لماذا ما تزال مراكبنا تائهة بين المرافئ والأعاصير والأمواج حتى أصبح معلمونا يختزنون التعليمات في مساحات عقولهم أكثر من المعلومات فكان الفقد العظيم منفذا لصياغة أذهان الطلاب التي تنقاد للفكر المؤدلج في بعض بيئات التعليم.
وعموما فإن ذلك المؤتمر الذي يستشرف محددات صناعة المعلم في مستقبله ومستقبلنا وإن وضع يده على مصانع المعلمين في بعض طروحاته؛ فإن من الحقائق الماثلة أن الواقع الكمي في مؤسسات التعليم سوف يبقى مادام أن واقع التعامل مع التعليم كوظيفة وليس مهنة، فلا يمكن للوظيفة في فلسفتها وسياقها أن تلتفت للمنتج النوعي الذي حتما تلبسه المهنة، ومن هنا فإن منصة الانطلاق هي عندما يكون القياس كما نوعيا كمُخرج واحد لا اثنين؛ ولذا فإن الإدراك السليم أن ننتقل إلى الإعداد في البنية الأساسية, تتصدّرها الرغبة وإيمان الضمائر بهذه المهنة الشريفة السامية التي كلف الله عزّ وجل بها رسله, ليخرجوا أقوامهم من الظلمات إلى النور, وهذا الشأن في تأسيس المعرفة؛ لابد أن نقيم له وزنا وصوتا، ليكون المعلم عاكسا ضوئيا لمشاعل المعرفة.
وأجزم أن هاجسنا جميعا تعليم يعانق السحاب، وحفز تجاه العقول والأرواح المتراصة على مقاعد الدراسة التي قد تتوجس مما تراه أمامها من ضحالة الفكر, وقد تشرق لها بعض الجوانب، ولكنها تحتاج إلى طلاء آخر, وفي بعض الصور المضيئة يلج المعلم إلى أرواح الطلاب بعدما يأخذ حيزا من عقولهم؛ كل ذاك مشاهد ومسموع ومنقول, وما زلنا نقفز فوق أسوار البدايات الصحيحة ؛فلا نوكل المهنة الشريفة إلى أهلها إلا ما جاء وليد الصدفة, ونأتي ببضاعة مزجاة ونطلب أن يُوفّى لنا الكيل ويُتصدّق علينا.
والنتيجة أن أصبح الانضباط في بعض مواقع التعليم فرجة من الوقت الضائع المختلس؛ ونتائج لا تشير إلى امتلاءات حلوة, إنما تشير في جلها إلى مسميات السنين التي قطعوها فلربما كان هناك إذعان لشروط الوقت المقدس المسمى بالحصص، نعم هناك أمنيات للمعلمين مازالت تعبأ في خزانات مؤجلة, وأحسب أنها تخالط الطلاب أمانيهم, في تعليم نقي مستقر لا تزلزله مكابدة الدنيا، والنتيجة أن تبتلع إحدى الأماني الأخرى والخسارة في كلا الحالين فادحة.
وحتى لا يغادر المعلمون ألفة المدارس نتيجة مغادرتهم روابط وصلات يشدهم الحنين إليها, ولأن التعليم تربع وجوده في كل دوار ودائرة في بلادنا الغالية؛ وأنعم به من نهج نعمت به بلادنا, وعانقت السماء عطاء واحتفاء؛ ومع الأمل بقادم جميل للتعليم أسوق رؤية تنظيمية تربوية لعلها تكون فداء سمينا؛ ومجالا خصبا لإشعال أرواح المعلمين شموعا يهتدي بها الطلاب إلى دروب المعرفة, وأن لا يصيبهم الملل الذي يلدغهم فيغلقون نوافذهم عن قوارض الزمن التي ساقتها لهم المهنة الشريفة!!!
اجزم أننا جميعا نتفق أنه يجب أن يكون التعليم تحت السيطرة تسلّم جميع عناصره قيادها له بكل سهولة؛ وإليكم رؤيتي وهي أن تتبنى وزارة التعليم منهجية لاستقطاب المعلمين من طلبة المدارس وهم على مقاعد الدراسة في التعليم العام في المرحلة الثانوية قبل أن تتلقف الجامعات من يرغب ومن لا يرغب, ويكون تحديد الاحتياج الفعلي من الجنسين وفق دراسات إسقاطية في كل منطقة ومحافظة ويحدد الاحتياج وفق عدد السنوات التي يحددها القائمون على التعليم، وبما يتطلبه إتمامه، ولا بد أن تُبنى برامج الاستقطاب للراغبين في التدريس بتحفيز متكامل منطلقه الرغبة والاستعداد والتميّز في التخصصات المطلوبة, كما يتطلب ذلك تصميم برامج تهيئة لأولئك المستقطبين قبل دخولهم مؤسسات الإعداد التربوية (الجامعات), وأن يتاح لأولئك الطلبة حضور بعض البرامج في مؤسسات الإعداد حضوراً مماثلاً لمن هم على مقاعد الكليات, وتحدد نسبة الحضور بما لا يتعارض مع تلقّي الطلاب للخطة الدراسية في مدارسهم، وربما تكون البرامج المناسبة هي التي تعقد في الأوقات ما بعد الدوام الرسمي للمدارس وعندما يدفع التعليم العام بأولئك إلى الكليات التربوية بأقسامها المختلفة بعد تخرجهم من المرحلة الثانوية وفق الأعداد المطلوبة في كل منطقة ومحافظة يمنح أولئك الطلبة مكافأة تحفيز مادية مماثلة لما يمنح في القطاعات العسكرية، ومن المتطلبات أيضا صياغة نظام توظيف بالاتفاق مع وزارة الخدمة المدنية لأولئك المستقطبين يكفل التحاقهم بالخدمة في التعليم فور إتمام متطلبات الدراسة الأكاديمية, وفي ذات النطاقات التي اُستقطبوا منها كما أنه لابد من تخصيص مدارس كاملة تابعة للجامعات تكون محضناً لتدريب أولئك خلال سنوات الدراسة وتكون صلة الطلاب بتلك المدارس متصلة منذ التحاقهم بالجامعات، وفي ذلك كله دعم للناقل التربوي والذراع الأول في ميدان التعليم وهو المعلم بما يحقق مردوداً ايجابيا ويبني إطاراً مؤسسياً لاستقطاب المتميزين للتدريس واستقرارهم في مواقع الاحتياج وهذا مماثل لما تصنعه الشركات الكبرى باستقطاب المتميزين من الطلبة ودفعهم إلى محاضن أكاديمية توافق المعايير التي تنشدها تلك المؤسسات؛ وتلك الرعاية الضافية تصنع للمعلمين أسباب التميز بعمق التكوين المعرفي، ووجود الحوافز التي تحركهم نحو الاتجاهات المشرقة، حتى تكون مهنة التعليم تاجا يتنازعون ارتداءه, وحتما سوف يملك أولئك القدرة على التحول, وإحداالمتعة والبهجة لدى المتعلمين,,
بوح للمعلم..
ويطيب لي جنيُ المفاخر أنني كنتُ المعلم في السنين الأولى.