د. عبدالحق عزوزي
أدت الدينامية الاقتصادية العالمية الجديدة، الموسومة بتنافسية قوية، إلى تكوين شراكات إقليمية مختلفة، والتي تتخذ أشكالا وأنواعا وبأهداف متنوعة حسب مختلف مناطق العالم، لكن بنفس الغاية وهي ألا تظل معزولة،
وحتى تستفيد بشكل كبير من التجمع لتعزيز مكانتها الاقتصادية / السياسية ومن أجل مواجهة التحالفات الإقليمية الأخرى والتحالفات العابرة للأقاليم والقارات أحيانا. وتوجد حاليا، وبحسب المنظمة العالمية للتجارة والمنظمة العالمية للتعاون والتنمية الاقتصادية، أكثر من 130 اتفاقية إقليمية والتي تتخذ أشكالا مختلفة. ومن هذه الاتفاقيات: 1) منطقة التبادل الحر، 2) الاتحاد الجمركي، 3) السوق المشتركة، 4) الاتحاد الاقتصادي، 5) الاتحاد النقدي، 6) اندماج السياسات الاقتصادية، 7) أنواع أخرى للجمعيات ومنتديات التعاون الاقتصادي، السياسي وأحيانا الثقافي أو اللغوي.
وهذه باختصار التجمعات الخمس الهامة:
في أمريكا هناك: - اتفاق التبادل الحر لشمال أمريكا (ALENA)، الذي تم إنشاؤه سنة 1994 بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك.
- السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية (MECORSUR)، ويضم البرازيل، الأرجنتين، الأوروغواي، البراغواي، والذي انضمت إليه الشيلي (1996)، بوليفيا (1997) والبيرو (2003).
- المجموعة الكاريبية (CARICOM) والتي تأسست سنة 1973 وتمت مراجعتها سنة 2001
- المجموعة اللاتينية الأمريكية للإدماج (ALADI) سنة 1980
- منظمة الدول الأمريكية (OEA) التي تأسست سنة 1948 وتم تجديدها سنة 1999.
وفي آسيا هناك:- جمعية أمم جنوب شرق آسيا (ASEAN) التي تم إنشاؤها سنة 1967، وتضم كلا من أندونيسيا، ماليزيا، سنغافورة، تايلاند، بروناي (1984)، فيتنام (1995)، لووس وميانمار (بورما) (1997)، وكامبوديا (2006).
- رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (SAARC)، وتشمل بلدان شبه القارة الهندية 1985، وكانت أفغانستان آخر من انضم إليها سنة 2011.
وفي إفريقيا هناك:- الكوميسا (COMESA): السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (1994).
- المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (CEDEAO) (1975، القوى الموسعة سنة 1990).
- جماعة التنمية لدول الجنوب الإفريقي 1985 (SADC)
- الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA) (1992)
- المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا (CEMAC)، 1994
- اتحاد المغرب العربي (UMA) ، 1989
وفي أوروبا هناك: - الاتحاد الأوروبي (1951، وهو في تجديد مستمر، وكانت كرواتيا آخر دولة تنضم إلى الاتحاد الأوروبي في فاتح يوليوز 2013).
- الرابطة الأوروبية للتبادل الحر (1960، وهي في تجديد مستمر، وكانت فنلندا آخر دولة تنضم للرابطة سنة 1995).
وفي العالم العربي هناك طبعا جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي
وعبر القارات هناك آسيا والمحيط الهادئ للتعاون الاقتصادي، أنشئت سنة 1994 وتمثل حوالي 40 في المائة من التجارة العالمية، وتضم الشيلي، الصين مع هونكونغ، التايوان، كوريا الجنوبية، اليابان، أستراليا، نيوزيلاندا، غينيا الجديدة وبلدان جنوب شرق آسيا.- بريك، وتضم البرازيل، روسيا، الهند والصين قبل أن تنضم جنوب إفريقيا سنة 2011.
وفي سنة 2008 أنشئ الاتحاد من أجل المتوسط، وكنا من المصفقين لهذا المشروع مع العديد من أصحاب الفكر والقلم والمشورة في هذا الفضاء الواسع، بل وعقدنا لصالحه مؤتمرات وندوات دورية هامة وبرامج عمل جريئة للتأصيل لنوع من الشراكة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... وهذا الاتحاد ابتكار مؤسساتي يهدف إلى خلق آلية شاملة، موسعة ومرنة بين دول شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط. فهو يضم مجموع دول المنطقة الأورو - متوسطية أي 27 دولة من الاتحاد الأوروبي و16 دولة من الضفة الجنوبية والشرقية، بما في ذلك الدول التي لا تمثل جزءا من عملية برشلونة (البوسنة والهرسك، الجبل الأسود وموناكو). أما ليبيا، وهي الدولة الوحيدة التي لم تكن عضوا في الاتحاد من أجل المتوسط سنة 2008، فهي حاضرة (منذ بداية 2013) كمراقب، وتشارك في اجتماعات الموظفين الساميين.
على المستوى الاقتصادي، بقي الاندماج الإقليمي ضعيفا مقارنة مع دول أخرى في العالم مثل منظمة دول جنوب شرق آسيا ASEAN (22 في المائة) أو السوق المشتركة للجنوب MERCOSUR (20 في المائة). كما لا تزال العلاقات الاقتصادية البين إقليمية ضعيفة جدا، حيث لا تمثل التجارة بين دول المغرب العربي إلا 3,5 في المائة من مجموع المبادلات التجارية. أما في الشرق الأوسط، فالمبادلات التجارية بين الدول الجارة ضعيفة أيضا حيث لا تمثل إلا 6 في المائة من المبادلات التجارية. ففي مجموع هذه الدول، تتم التجارة في مجملها في الفضاء الاقتصادي الأوروبي الذي يستقبل أكثر من 60 في المائة من صادرات دول شمال إفريقيا، مما يؤدي إلى ضعف الاستثمارات في دول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط بسبب ضيق الأسواق. كما يمكن لنا هنا أن نكتب أن حجم السوق، من المغرب إلى مصر، يعادل روسيا على مستوى الساكنة. لهذا، يعتبر الاندماج الإقليمي هدفا ذا أولوية، فطالبنا مع آخرين بتسريع وتيرة التعاون الاقتصادي.
ولا غرو أنه كان لبناء المنطقة الأورو- متوسطية ومختلف المنظمات ومبادرات التعاون المقترحة منذ أزيد من ثلاثة عقود، ومن أشهرها عملية برشلونة التي خلقت سنة 1995، نتائج متناقضة على مستوى العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وشركائه في الجنوب، إلا أنها محدودة على المستوى السياسي بل وضعيفة على مستوى تعزيز التعاون الإقليمي الذي يعتبر أحد الأهداف المركزية للشراكة الأورو- متوسطية. فالرغبة كانت أكيدة في أن نبني صرحا جديدا انطلاقا من بعض المكتسبات الإيجابية لعملية برشلونة وتجاوز المحبطات السياسية. وهنا المشكل.... لأن القناعة تزداد عندنا يوما بعد يوم أن العوامل السياسية هي عوامل محددة وليست بجانبية. فقد أخطأ استراتيجيو الاتحاد من أجل المتوسط وعلى رأسهم الفرنسيون أنه بإمكانهم وضع المشاكل السياسية في الفضاء المتوسطي جانبا والعمل في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية حصريا. وهذا خطأ. وما كان أحد يتكهن بما كان سيقع في الضفة الجنوبية من المتوسط خاصة في الدول العربية منه! ما كان أحد يتصور يوما أن الآلاف من السوريين سيغادرون بلدهم في اتجاه المخيمات ودول أوروبا طالبين أبواب الرحمة والأمان؛ ما كان أحد يتصور أن أنظمة بأكملها ستتهاوى كما تتهاوى أوراق الخريف؛ وما ما كان أحد يتكهن أن دولة مثل ليبيا ستصبح دولة فاشلة في حرب أهلية تأتي على الأخضر واليابس، وأن منظمات إرهابية ستجد لها مأوى آمنا في بلدان تنعدم فيها مقومات الأمن لتصل شظاياها إلى دول مثل تونس في عمليات إرهابية عاتية و بنتائج خطيرة على البلد بأكمله؛ وما كان أحد يتصور أن إرهاب داعش سيضرب في عقر باريس، وبإمكانيات بشرية وعسكرية قليلة.. ثم إن التدخل الروسي اليوم في سوريا والتحالف الرباعي بين العراق وسوريا وإيران وسوريا تنبئ بأشهر عجاف... كل هاته المعطيات السياسية المنذرة بمستقبل أسود في المنطقة يستحيل معها تعاون متوسطي مشترك...دول الشمال غيورة على سيادتها، وكلما أحست بزكام سياسي ولو طفيف في المنطقة الجنوبية إلا وحاولت إغلاق حدودها عن البشر ورؤوس الأموال... ستستمر بعض الاجتماعات، والعقلانية الدبلوماسية يستحيل أن تطالب بتوقيفها، كما سيستمر التعاون في بعض المجالات التي لا خوف منها على مستقبل الحدود والبشر في الشمال، أو التي هي ضرورية لمستقبلها كالمسائل الأمنية، ولكن أن نحلم بتعاون متعدد المجالات كما صوره الاتحاد من أجل المتوسط سنة2008 فذلك من باب المستحيل... العامل السياسي عامل محدد في العلاقات بين ضفتي المتوسط؛ لا يمكن فصله عن العوامل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. عملية الفصل هاته لا يمكن أن تتم إلا بين دول الشمال ودول قليلة في الجنوب تنعم بالاستقرار وبإرث استراتجي قوي كالمغرب مثلا؛ أما وأن نتصور تجاوبا كليا بين الشمال والجنوب فيستحيل ذلك اليوم استحالة باتة.