أ. د.عثمان بن صالح العامر
من بين الأرقام والنسب التي تفتقد للدقة، وفيها تضارب واضح، وتختلف اختلافاً كبيراً أرقام العاطلين والعاطلات ونسبتهما في المجتمع السعودي، ولست هنا معنيًا بالبحث في الأسباب التي من المحتمل أنها هي التي تقف وراء هذا التضارب البيّن والواضح، كما أنه لا يعنيني في مقال اليوم التصحيح والمراجعة، ولكن ما لفت نظري وجعلني أعود لأكتب في هذا الموضوع مرة أخرى ثلاثة أسباب، هي بإيجاز:
* الحديث الذي أدلى به لجريدة الرياض الاقتصادي - مشكورا ً- المستشار الاقتصادي د.محمود مناع عبد الرحمن، ونُشر السبت 19-12-1436 هـ، والذي أشار فيه إلى نسبة البطالة بين المواطنات التي بلغت 32.7% بما يعني- حسب ما جاء على لسانه - أن 33 مواطنة من كل مئة تعاني من البطالة، في حين يواجه 6 مواطنين من كل 100 مواطن مشكلة البطالة، مبيناً في مطلع حديثه أن الآثار السلبية للبطالة لا تقتصر على الجانب المادي فحسب، بل يترتب على البطالة أعباء نفسية واجتماعية تتعلق بالرغبة في الإحساس الشخصي بالوجود وتكوين الذات والاعتماد عليها ... خاصة أن أغلب المتعطلين هم ضمن الفئات العمرية من 20 إلى 34 عاماً ويحملون البكالوريوس أو الثانوية العامة.
* الحديث المتكرر والنغمة المتصاعدة إزاء ابتزاز الفتيات السعوديات الذي صار في ظل التقنية الحديثة خطراً يهدد الأسر وينذر بشر مستطير، إذ إن من أقوى أسبابه - كما يقال - لجوء المرأة للرجل بحثاً عن وظيفة تتوافق ومؤهلاتها وتلبي رغباتها وتحقق طموحاتها وتفي بمتطلباتها المادية والنفسية والاجتماعية.
* كثرة الإناث في مقابل الذكور على مقاعد الدراسة في جامعاتنا السعودية وفي مختلف التخصصات، مما يعني أن المشكلة في تصاعد مستمر، إذ إن النسبة في أغلب الجامعات الثلثان مقابل الثلث، والثلث كثير.
* ارتفاع نسبة الطلاق، وكثرة العوانس، وتغير سلم الأولويات حين اختيار الزوجة؛ إذ صارت الوظيفة مزية للفتاة بعد أن كانت مثلباً وعائقاً، وهذا كله له صلة مباشرة بموضوع المقال.
* محدودية الفرص الوظيفية أمام الفتاة، فمع كل ما بذل من جهود رسمية وإعلامية فإن الممانعة المجتمعية إزاء عمل المرأة في القطاعات التنموية المختلفة - خلاف الحقل التعليمي الذي تستقل فيه الأنثى عن الذكر ولا يوجد فيه اختلاط - جعلت الطلب عليه ضعيف والتسرب منه مرتفع، فالقطاع الصحي مثلاً، الذي يعد أكثر إغراء من غيره من الناحية المادية، يتصدر موظفوه قائمة المستقيلين كما نشرت صحيفة مكة في عددها الصادر الأربعاء 16-12-1436هـ،- مستندة – في ما ذهبت إليه - إلى ما صدر من المصلحة العامة للإحصاءات، وكما جاء على لسان مدير مستشفى الدمام المركزي، استشاري أمراض الكلى الدكتور عصام خرساني، أن السعوديات يمثلن غالبية من يتقدمن باستقالاتهن، إما لعدم تمكن بعضهن من تحمل أعباء العمل ومسئولياته، أو لعدم تفهم الآباء والأزواج لطبيعة عملهن الذي يضطرهن للعمل ليلاً أو خلال العطل الأسبوعية والأعياد، فيمارسون عليهن ضغوطاً تنتهي بهن للاستقالة.
كل هذه الأسباب مجتمعة تجعل لزاماً على الشوريين والمستشارين ومتخذي القرار وصنّاعه التفكير الجاد في حل مشكلة البطالة المؤنثة، أو على الأقل التخفيف من حدتها وتقليل حجمها وقاية للمرأة وحماية للمجتمع، وفي هذا السياق يمكن أن يكون من الحلول الناجزة في نظري:
* اتخاذ القرار العاجل إزاء خفض سنوات التقاعد للمرأة في سلك التعليم إلى 20 عاماً، ووجود محفزات فعلية للمتقاعدات قبل ذلك «مبكراً».
* خفض نصاب المعلمة إلى النصف في مقابل إيجاد سلم رواتب خاص بهن، يتم من خلاله توظيف معلمتين في وظيفة معلمة واحدة حالياً، بحيث تعمل المرأة نصف الأيام أو حتى نصف اليوم، ثم تخرج لتأتي زميلتها تكمل ما بقي من الحصص، وقد سبق وأن طرح هذا الحل فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - في كلمة الأهالي التي ألقاها أمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز- رحمه الله - حين كان ولياً للعهد، إبان وضع حجز الأساس لمجمع كليات البنات في العاصمة الرياض، وتُحدث عن هذا الاقتراح حينها من قبل شريحة عريضة من المثقفين وكتّاب الرأي.
* التفكير الجاد في خلق وظائف جديدة تتوافق مع قيم ومسلّمات المجتمع، وتلائم طبيعة المرأة وتفي باحتياجاتها بعيداً عن كل ما من شأنه خدش شيء من دينها أو أعرافها وتقاليدها، سواء أكانت الوظائف حكومية أو في القطاع الخاص أو الأهلي.
أجزم أن الموضوع ساخن ويستحق عقد مؤتمر خاص له درءًا للمفاسد المحتملة وتحقيقاً للمنافع المنتظرة، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.