محمد آل الشيخ
في الإجازات، سواء الإجازة الصيفية، أو إجازات الأعياد، أو إجازات منتصف السنة الدراسية، يتقاطر السعوديون، عائلات وأفراداً، على المطارات، وعلى الحدود البرية، للهروب والتمتع بالعيش دون منغصات خارج البلاد، ولو لمدة قصيرة، بعيداً عن التزمت والمتزمتين الذين يكنون عداوة متجذّرة وبلا سبب أو مبرر لأي ابتسامة تتشكّل على قسمات وجه الإنسان، وكذلك للفرح والبهجة، فيتتبعون فعالياتها بالترصد والتجسس والرقابة، حتى وإن كانت من وراء الأسوار، ليقمعوها ويقضوا عليها قضاءً مبرماً، وكأن الإنسان يجب أن يكون عبوساً متجهماً قمطريرا، وإلا ارتكب فاحشة يجب اجتثاثها؛ هذا الهروب الجماعي حقيقة واقعة، لا يجادل فيها إلا مكابر؛ وهو بالمنطق الاقتصادي - وهنا الخطورة - يُكلِّف الاقتصاد المحلي كثيراً من الأموال والمدخرات، التي تصبّ في الخارج، بالمليارات من الدولارات، في وقت نحن أحوج ما نكون إليها، حتى يعتبر بعض المختصين أن هذه الظاهرة تستنزف الثروة الوطنية، ولا بد من التفكير جدياً في خطورة مآلاتها على الاقتصاد المحلي. فالمملكة تزخر بالفرص الاستثمارية السياحية التي لم تُفعّل، وبالذات لعشاق الآثار والموروثات الإنسانية، فهي مهد العرب، ومنها انطلقوا، فنشروا لغتهم ومعها ثقافتهم، في كل البلدان الناطقة بالعربية اليوم، فصبغوها بهويتهم، ورسخّوا فيها ثقافتهم التي اقترنت بالهوية الإسلامية، وتحويل هذه الكنوز الأثرية إلى دخل وطني، باستثمارها سياحياً، من المصالح الاقتصادية المهدرة، التي يجب أن لا نُفرِّط بها. هذا فضلاً عن الآلاف المؤلَّفة التي ستعمل في هذه الاستثمارات السياحية، والتي من شأنها امتصاص جزء ليس بالقليل من البطالة المتزايدة معدلاتها بشكل ملحوظ سنة بعد سنة.
وهنا لا بد من الإشادة بالجهود الدؤوبة والمضنية التي تبذلها هيئة السياحة والمجالس الملحقة بها، للارتقاء بهذه المجالات الخدمية، وتشجيع الاستثمار فيها، غير أن جهودها ترتطم بتلك العقول المتحجرة التي تقف لكل ما من شأنه إسعاد الفرد بالمرصاد، بذريعة الحفاظ على الفضيلة، وتعتبر الترفيه، بريئاً كان أو غير بريء، من المرفوضات من حيث المبدأ، ولا فرق في قواميسها بين ترفيه مُقنن ونقيضه، فهذا وذاك - في معاييرهم - اسمان لمنكر واحد؛ رغم أنهم يفتقرون للدليل الشرعي المتفق عليه.
وغني عن القول إن الاستسلام لهذه الثقافة المتزمتة ومجاملتها، وعدم الاكتراث بأضرارها الاجتماعية والاقتصادية، لا يمكن القبول بها في نهاية المطاف، وسوف نضطر حتماً يوماً ما إلى السماح لمثل هذه الفعاليات السياحية، شاء من شاء وأبى من أبى انطلاقاً من أن تنويع مصادر الدخل الاقتصادي أصبح اليوم ضرورة ملحة لا يمكن أن نتجاهلها إطلاقاً وخصوصاً أن البترول وريعه، لن يكفي إلى الأبد لمواجهة متطلبات ميزانيات الدولة التي تلح علينا زياداتها سنة بعد سنة، ولا بد من التفكير جدياً في الأمر، قبل أن يسبق السيف العذل.
ثم إن التضييق على مجالات الترفيه واللهو والسياحة في المملكة، كان هو السبب الرئيس لهروب السعوديين إلى لخارج للسياحة، وهناك يدرك العقلاء أن الخارج مليء بالمنكرات من كل صنف ونوع؛ ما يجعلهم عرضة لمنكرات أدهى وأمر، دينياً وأخلاقاً؛ وكما يتفق علماء الأصول في الشريعة أن دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر من المسوغات الأصولية المتفق عليها في شريعة الإسلام، ومن يقدّر الأخطار حق قدرها، لا بد وأن يأخذ هذا الجانب في الاعتبار.
إننا - أيّها السادة - في أمس الحاجة لمواجهة هذه الثقافة المتزمتة التي ترفض السياحة بشتى أشكالها، كي نوجه المواطن إلى المرافق السياحية في الداخل؛ فالترفيه وثقافة السياحة من ضروريات العصر، كما أنها قطعاً من المتنفسات التي تساعد عملياً في مكافحة ثقافة الإرهاب على المدى البعيد كما يقول المختصون الاجتماعيون. إلى اللقاء.