د. عبدالواحد الحميد
الذي يعرف الطريق الدائري الشرقي بمدينة الرياض لابد أن يعرف أيضاً كم هي شاقة ومزعجة تجربة قيادة السيارة فيه، وبخاصة في أوقات الذروة.. والذين يستخدمون هذا الدائري لابد أنهم يتذكرون أيضاً كم من مرةٍ حاولوا أن يتفادوا استخدامه هرباً من الزحمة الخانقة في مسارَيْه الذاهب والقادم رغم أن الهدف من إنشاء هذا الطريق وغيره من الطرق الدائرية في مدن العالم هو في الأساس تفادي الازدحام الذي تعاني منه الطرق الداخلية في المدن!.
هذا الازدحام الخانق الذي يشهده الطريق الدائري الشرقي يجعل القيادة فيه في بعض الأحيان شيئاً مخيفاً وخطيراً حتى خارج أوقات الذروة، فإن سلمْتَ من الزحمة لم تسلم من مضايقات الأشخاص الذين يقودون سياراتهم برعونة واستهتار وتهديد لسلامة الآخرين!.
كل ذلك قد يكون شبيهاً بما يحدث في الطرق الدائرية بمدن أخرى كثيرة في العالم، لكن ما يتميز به الطريق الدائري الشرقي بالرياض وامتداداته التي كانت تطوق الرياض ثم أصبحت مجرد طرق سريعة داخل المدينة هو أنك وسط هذه الزحمة الخانقة قد تجد طفلاً صغيراً لم يتجاوز العاشرة من العمر يقود سيارة منطلقاً بين السيارات والمركبات المسرعة المتزاحمة!.
أشك أن مثل هذا يحدث في أي مكان بالعالم خارج المملكة، لكن من المؤكد أنه يحدث باستمرار في الطريق الدائري الشرقي بالرياض وفي امتداداته الأخرى وربما في الطرق الدائرية بالمدن الأخرى بالمملكة. وقد لا تكون المرة الأخيرة التي حدث فيها ذلك ما سجلته مؤخراً عدسة أحد الأشخاص وتناقلته مواقع التواصل الاجتماعي عن طفل يقود مركبة متوسطة الحجم لا يكاد رأسه يُرى وهو متشبث بمقود السيارة ومشرئب العنق في مشهد كاريكتيري مضحك ومحزن في ذات الوقت!!
أما في الطرق والشوارع الداخلية في مدن وقرى المملكة فإن قيادة الأطفال للسيارات أصبحت ظاهرة منتشرة حتى تكاد تكون عادية ومقبولة بالرغم مما تسببه من مآسٍ يكتوي بنارها ليس فقط الأطفال الذين يقودون السيارات ويتعرضون للحوادث وللموت وإنما أيضاً أناس أبرياء يتصادف وجودهم في تلك الطرق والشوارع ويتعرضون هم أيضاً للحوادث والموت.
هناك غياب شبه تام للمرور، وقد أصبحت هذه الظاهرة مألوفة لدرجة أنها ربما صارت مقبولة لدى رجال المرور ولم تعد تلفت انتباههم ولا يهتمون بها!.
ظاهرة «الطفل السائق» هي واحدة فقط من مظاهر الانفلات المروري في شوارعنا وطرقاتنا؛ هذا الانفلات الذي يئسنا أن يجد المرور له حلاً رغم ما نسمع من ادعاءات التطوير في خدمات المرور. أما الحل فواضح ولا يحتاج إلى عباقرة كي يفكروا في إيجاده ألا وهو الحزم في تطبيق الأنظمة المركونة جانباً، وهو ما يتطلب «إرادة» قد لا تكون موجودة.