د. عبدالعزيز الجار الله
قدلا تكون هناك مواجهة حقيقية بين دول الخليج العربية وبين إيران لكنها مكاشفة ،كما أنها ليست مفاجأة لدول الخليج العربية لكنها مفاجأة لإيران لأنها عاشت طوال تاريخها الحديث ثم المعاصر وهي تجزم أنها جندي الخليج القوي حتى تم اختبار جنديتها في الحرب العراقية، إيران تقوّت لأن الدولة العثمانية التي ورثت الدولة العباسية في العراق والدولة المملوكية في مصر لم ترغب أن تجتاز إلى الضفة الشرقية من خليج العرب والخوض في حروب في وسط آسيا لأنها أي الدولة العثمانية مشغولة في حروب أوروبا، وكان هناك من يجزم من المحللين والباحثين أنه لولا مشاغلة إيران (الدولة الصفوية) للدولة العثمانية بالحروب على حدودها الجنوبية الشرقية لتمكنت الأمبراطورية التركية من السيطرة على العديد من دول جنوب وشرق أوروبا وبصورة أخرى نشر الإسلام في أوروبا على نطاق واسع .
حاليا الظروف في الخليج قد تغيرت فلا دول الخليج العربي كما كنت عشية انتهاء الحرب العالمية الأولى في أوائل القرن العشرين ،أو حتى منتصف القرن عندما أوقفت الحرب العالمية الثانية أوزارها حين كانت الدول العربية لتوها خارجة من الاستعمار الأوروبي : البريطاني ،الفرنسي،الإيطالي. أيضا أمريكا لتوها تطل على المنطقة وتزاحم أوروبا على الهيمنة على بلاد العرب، إذن الظرف السياسي لعرب الخليج قد اختلف تماما، والظرف السكاني تغير ومالت الديمغرافيا لصالح سكان الخليج ،كما أن الوضع العسكري لدول الخليج العربي قد تحسن للأفضل من حيث القوة الميدانية والتقنية أبرزت قوتها عاصفة الحزم التي سيطرت على سماء اليمن خلال ساعات وهي التي كانت اليمن وإيران مع قوى أخرى تستعد لهذه الحرب منذ زمن بعيد.
الظروف السياسية والعسكرية والمواقف الدولية جميعها تغيرت لصالح دول الخليج، وبالمقابل إيران من الداخل تغيرت بعد الثورة عام 1988م والحرب العراقية- الإيرانية عام 1979م وما أفرزته الحرب والثورة من انبعاث القوميات الإيرانية من الداخل ومطالبة القوميات الكبيرة بالاستقلال : الاذار، البلوش،الأكراد، الأحواز العرب، الترك، بالإضافة إلى تململ واستياء التجمعات الفارسية من المعارضة ومن اللبراليين قد أضعفها وكشف هشاشة وقابلية التحولات السياسية، فإيران حقيقة ليست هي نفسها زمن الشاه عندما أطلق عليها شرطي المنطقة القوي .
هذه المبررات والتحليلات من السياسيين الغربيين و من الخبراء العسكريين ومن المخططين الإستراتيجيين وحتى من المعلقين السياسيين السابقين الذين يدفعون علنا للدخول في مواجهة واحتكاك مع إيران، أيا كانت هذه المواجهة لجار منافس فإنها تعد مخاطرة قد تجر المنطقة إلى ويلات كارثية، لكن لابد من المكاشفة والتعرية للسلوكيات الإيرانية المشينة في الوطن العربي، ومن المواجهات العمل الإعلامي الذي يفضح إيران ويعري مسلكها، حيث اتخذته سلاحا للنيل من وحدة البناء العربي وأضعاف المعتقد الديني ،واحتوى المعارضة السياسية والمذهبية، وتحويل - إيران - في المشهد العام إلى قبلة سياسية ورمزية دينية مذهبية.