د. عبدالعزيز الجار الله
بلا شك أن تدافع الناس في أماكن الحشود لأي سبب من الأسباب له الدور الرئيس في الوفيات أو زيادة أعداد القتلى في الملاعب الرياضية والاحتفالات وأي تجمع, مكة المكرمة في سجلها العديد من حوادث التدافع في الجمرات, الطواف، السعي، وتاريخها مملوء بحوادث الوفيات، إما بسبب التدافع أو الأمطار أو الحرائق، لكن في حادث التدافع هذا العام 1436هـ ضحاياه (717) من الحجاج عليهم رحمة الله الواسعة صورة مختلفة عن المعتاد في الجمرات والطواف، لذا لا بد من النظر في قضايا عدة أهمها:
أولاً: اعتقدنا بعد تنفيذ مشروع الجمرات في مشعر منى أن الوفيات التي تحدث بسبب التدافع عند الجمرات ستكون من التاريخ قبل أن تظهر لنا مشكلة جديدة هي الشوارع المحيطة بالجمرات، شوارع نشأت بسبب المخيمات عرضها حوالي (20) متراً هي بالواقع ممرات لخدمة المخيمات وليست ناقلاً للحجاج العائدين من مزدلفة التي يزدلفون منها الناس - يتدافعون - جماعات إلى منى والحرم.
ثانياً: نعتقد أننا أذا أنجزنا مشروعات توسعة ساحة (صحن) المطاف، وتوسعة أروقة الحرم والساحات الخارجية, وإنشاء عمارة جديدة للحرم مشروع الملك عبدالله - يرحمه الله-، وتوسعة المسعى وهي ضرورية، بأننا سنوقف حوادث التدافع بين الحجاج وبالتالي سنخفض من أعداد الوفيات ثم نكتشف أن الحوادث تقع بعيداً عنها.
ثالثاً: نعتقد أن وزارة الحج وهي الوزارة الوحيدة بين دول العالم بهذه التسمية أي لا مثيل لها بين الوزارات وعملها مختص فقط بالحج والعمرة, أنها قد أنجزت توزيع المخيمات و(تسكين) مؤسسات وشركات الطوافة في مواقعها المحددة أنجزتها مكتبياً وعلى أرض الواقع، وألزمت المؤسسات بذلك وبالتالي ضبطت حركة الحجاج وكانت صارمة مع المخالفين والمتجاوزين ولكن هذا ربما لم يتحقق.
رابعاً: مشعر عرفات جبل تحيط به أرض مستوية، ومزدلفة وهد من الأرض تحيط بها الجبال والأودية والشعاب، ومنى واد تحيط به المرتفعات الجبيلة، فالمحافظة على جغرافية المكان هي من أسس السلامة، ومنى حدث لها تغيّرات عن طبيعتها فأصبحت مخيمات متلاصقة ومباني وشوارع ضيقة، في حين أن بنيتها وتركيبتها الجغرافية واد تحاصره المرتفعات والهضاب.
رابعاً: سؤال لا بد من طرحه، لماذا حوادث الحجيج أكثرها لا يحدث إلا في مشعر منى، ونكاد لا نسمع عن حوادث في عرفات ومزدلفة؟
خامساً: لا بد أن يكون للجنة لجنة الحج العليا تدخل مباشر في تنظيم مؤسسات الطوافة في الداخل ولا يترك الأمر لوزارة الحج، فالعمل الكبير والضخم من الدولة في عمارة الحرمين، وخدمة الحجيج، وتحسين أوضاع الحج قد تضيعه وتشوهه مؤسسات الطوافة وتراخي وزارة الحج.
أذن لا حكومتنا ولا شعبنا يرضى بالحوادث (الجائحة) من الوفيات تحت أي ظرف أو سبب، وأن نكون كل سنة على موعد مع كارثة بطريقة مختلفة حتى وإن كان وراءها من أعمال مقصودة أو أخطاء سلوكية أو تنظيمية، فقد ثبت تاريخياً أن لا مراهنة كثيرة على وعي الحجاج, فوزارة الحج معنية أكثر من غيرها بصفتها وزارة حج وبالتالي الحل الشامل يبدأ من الوزارة.