د. عبدالعزيز الجار الله
ارتبط تاريخ الدولة السعودية الحديثة مع المدينتين المقدستين برباط وثيق. وفي تداخل عميق أعطت القيادة والحكومة الأولوية لخدمة بيت الله العتيق ومدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأولوية في: الرعاية من قِبل القيادة، الخدمات البلدية، المشروعات التطويرية، الميزانيات، الطرق، القطارات، تحلية المياه، العمارة والتعمير ومشروعات البنية التحتية. العطاء السخي لا يقتصر على المدينتين المقدستين، بل شمل المدن التي تشكل الجانب اللوجستي للمدينتين (جدة، الطائف وينبع).
هذه العناية الخدمية للمدينتين المقدستين لم تتلقها مكة المكرمة والمدينة المنورة طوال تاريخهما الحضاري من الناحية المعمارية والمالية، مع إبقاء الوفاء والشكر القدير لزعماء الدول الإسلامية على مر التاريخ وما قدموه للحرمين الشريفين من عمارة وتوسعة. فالدول التي أشرفت على المدينتين عبر التاريخ طورت المشاعر كخدمة جليلة للحرمين وتقرباً لله ثم ما يخدم الأهداف والغايات السياسية. أما الرعاية الحضارية فقد بقيت على إطارها التطويري المحدود قياساً بالعمارة التي أحدثتها الدولة السعودية، ليس للحرمين بل محيط الحرمين وللمدينتين الحاضنتين للمسجدين والمشاعر الأخرى، فكان التطوير التاريخي الذي تم للخلفاء السابقين يحقق غرض التطوير الذي تراه قيادة الدول البعيدة جداً عن المدينتين في عصور الدولة الأموية، العباسية، السلجوقية، المملوكية والدولة العثمانية.
ويمكن النظر إلى عمارة الحرمين الشريفين من منظورين، هما:
محورية المشاعر المقدسة.
الصرف بسخاء على المدينتين.
المحورية: بُنيت خطط التنمية تقريباً على محورية الأماكن المقدسة؛ إذ تحصلت على نصيب الأسد من ميزانيات الدولة طوال السنين، وتضاعفت خلال عقود الدورة الاقتصادية الأولى عام 1975م، والثانية عام 2003م؛ فقد حظيت منطقة مكة المكرمة (جدة, الطائف)، ومنطقة الرياض بصفتها العاصمة، ومنطقة المدينة المنورة، والمنطقة الشرقية المنتجة للنفط، بالنصيب الأكبر من المشروعات والأرقام المالية العالية، وربطت الخطط الخمسية وطويلة المدى بالمدينتين المقدستين: الطرق البرية، الطرق الجوية حركة الطيران، وحالياً القطارات، الربط الكهربائي، شبكة تحلية المياه، حركة الموانئ والبضائع.
الصرف المالي: تفردت المشاعر المقدسة بالميزانيات الكبيرة؛ فلم يتوقف الصرف حتى في أصعب الظروف الاقتصادية التي مرت بها المملكة بسبب حروب المنطقة، وتذبذب وانخفاض أسعار النفط، وانهيار الاقتصاد العالمي، بل تم في بعض الحالات وقف المشروعات الأخرى في الدولة وتوفير مبلغها لصالح مشروعات الحرمين الشريفين.
وهذا هو الفارق في عمل الدول التي أشرفت على الحرمين عبر التاريخ وما يقدم الآن. ويمكن القول إن بلادنا جعلت الأولوية في جميع مشروعاتها للمدينتين المقدستين, وتم الصرف بسخاء.