كوثر الأربش
سأذكر لكم موقفاً ليس عابراً
وبالمناسبة، قررتُ في هذا المقال أن أتوقف عن الكلام مع نفسي، قررت أن أتحدث معكم، كما لو كنا على طاولة واحدة. أنا لا أعرفكم جميعاً، لكنني أعرف أنكم تقرؤون الآن. عرفتُ ذلك منذ فترة وجيزة، حين قررت أن أتوقف عن مونولوجي الداخلي، وأتحاور معكم. ما علينا.. ماذا كنتُ أقول؟ نعم.. الموقف. قبل أسبوعين تقريباً، طلب مني متابع في تويتر أن أتابعه، يقول إنّ لديه خبراً مهماً، ألحّ كثيراً، وأنا كنت أحاول ألا أستجيب، لكن بعد توسلاته، وافقت. وبمجرد متابعتي له. أرسل لي رسالة مباشرة، شكرني وبدأ بصفّ كلمات الثناء، قاطعته وطلبتُ منه أن يدخل في موضوعه. أخبرني بعد أن أكد أنه يريد مصلحتي، وأنه قلق عليّ، أنّ هناك كاتبة حاقدة تريد تجنيده، طلَبتْ منه أن يدير حسابً مخصصاً للنّيل مني والإساءة لشخصي. ثم وقبل أن ينهي تحذيره، قاطعته: ولكن هذه فتنة! فرد عاجلاً أنها ليست كذلك، وأنّ دافعه فقط الخوف عليّ من مكائدها! قلت: لكنك الآن فتنت، والفتنة أشد من القتل! وأنا أعتذر منك ومضطرة لإلغاء متابعتك.لم أفكر كيف أربح، ولا كيف أستفيد من الواشي. وأعرف أنني خيبت ظنه بذلك، وأنه كان بانتظار أن ابني موقفاً حاداً ضد الكاتبة التي وشى عنها لي. هذا بعد أن أشكر نبله وتفانيه. الحقيقة أني لا أحيط نفسي بالمنافقين والمحرضين وعديمي القِـيم. هؤلاء ضعاف، واهون، مثل بيت عنكبوت، والذي يحاول الصعود للأعالي لا يتشبت بالخيوط الواهية. لم أثق يوماً بعديم قـِـيم. الذي تظنه سيكون لك نبيلاً، بينما سيُسخّر انحطاطه القيمي لخصمك فقط، هذا من ستأتي لحظته الخاصة معك، اللحظة التي تكون أنت خصمه. السلاح الذي كان يوجهه لرأس أعدائك، سيتحول لرأسك، في يومٍ ما. وهذا اليوم سيأتي لا محالة. {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} أي تعاون مبني على قلة تقوى، مخافة الله، هو تعاون لا أمل في متانته. اللص الذي سيسرق لك، سيسرقك بعد حين، والشتّام الذي يشتم لأجلك، سيشتمك بعد حين، والأنياب التي ستفترس خصومك، ستنقض عليك بعد حين. والداعشي الذي اعتقدت أنه يستهدف خصمك، سوف يلتفت عليك! هل تعرف الآن أين وصلنا؟
سأبدأ من جديد:
حينما استهدف انتحاريو داعش مساجد الشيعة، بدا للبعض أن المستهدف هو المذهب الإسلامي الشيعي. البسطاء فقط من اعتقدوا بذلك. لأكون أكثر تحديداً: الطائفيون. سمعنا ورأينا حالات تشفٍّ واسعة بينهم. سمّاهم البعض: دواعش الداخل! ربما.. أقول ربما هم كذلك. لم يضعوا أبهامهم على عرق الوطن النازف، بل تحسسوا مذاهبهم. حرصوا على الفكرة أكثر من حرصهم على الدماغ الذي يحتويها. حرصوا على الطلاء قبل أن يطمئنوا على شروخ الجدران. كيف يمكن أن تطلي بيتاً آيلاً للسقوط؟ هم لا يهمهم البيت وسقوطه، يهمهم فقط الطلاء. فهو ما يحفظ هويتهم، يحمي تصنيفهم، لأنهم خائفون، خائفون من أن يشبهوا البقية. كل الطائفيين كذلك. الطائفي الآخر صدّق الخديعة، نهضت مظلوميته التاريخية، ناحت في جوفه، طالبَ بحقوقه، طالب بقانون يحميه، طالب بمراقبة المناهج. فوضعنا الطائفيون ما بين تشفٍ ومظلومية وتكسّب بالقضية. وضاعت القضية التي تجلت في تفجير مسجد قوات الأمن في عسير، والتي راح ضحيتها.. من رجال الأمن شهداء بإذن الله. الآن للمتشفين والمتظلمين: هل ستدني رقبتك من قاتل خصمك؟ هل ستعتبر الإرهاب فرصة لرفع الشعارات المذهبية، أو لجمع الغنائم، أعني لسرد المطالب؟
لا يوجد في الإرهاب وجهٌ جميل، الإرهاب كله قبح. لا تفرح.. لا تطمئن، والآن.. عد لقراءة المقال من جديد!