سعد بن عبدالقادر القويعي
أجمل ما ورد في إعلان السعودية - قبل أيام - أمام مجلس حقوق الإنسان، أنها لا تتفق مع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن مسألة عقوبة الإعدام، وما تضمنه من نتائج، وتوصيات، باعتبار أن تلك الدعوات لوقف، أو إلغاء عقوبة الإعدام، يجب ألا تنسينا حرصها على حق القاتل، وحقوق الأطراف الأخرى التي انتهكت من قبل الجناة، الأمر الذي يجب أن يٌنظر إليه بنفس درجة الاحترام. كما أن تطبيق العقوبة جزء لا يتجزأ من إجراءات تحقيق العدل، وحماية حقوق الضحية، أو الضحايا. معرباً عن أمله في أن يتم تسجيل موقف المملكة بشكل واضح في أي تقرير يصدر عن المفوضية السامية أو الأمم المتحدة والأجهزة والآليات التابعة لها.
شمل تقرير مجلس حقوق الإنسان أمام مجلس الأمن نتائج، وتوصيات تدعو إلى وقف، أو إلغاء عقوبة الإعدام؛ حرصًا على القاتل - مع الأسف -، كون عقوبة الإعدام عقوبة قاسية، ولا إنسانية، ومهينة، - وبالتالي - لا ينبغي تطبيقها - أبداً - في أي مكان. وبصرف النظر عن الأسباب، أو طبيعة الجريمة، أو براءة الشخص من عدمها، أو أسلوب الإعدام المتبع، فإنه ينبغي على الدول التي لا زالت تطبق عقوبة الإعدام، أن توقف تنفيذ جميع الأحكام - فوراً -، وعلى البلدان التي توقفت - فعلا - عن تطبيق العقوبة، أن تشطبها من سجلاتها القانونية - بشكل دائم - بالنسبة لجميع الجرائم، كما ينبغي تخفيف جميع أحكام الإعدام إلى أحكام بالسجن.
إن عقوبة الإعدام تحقق زجراً، وإرهاباً في النفس أكثر من غيرها من العقوبات الأخرى؛ خشية سلب الحق في الحياة، - إضافة - إلى ما تحققه هذه العقوبة الآلهية في نفس الشخص الذي يفكر في الجريمة من خوف، ورهبة، وزجر. كما أنها تتناسب مع الجرائم الخطيرة، كون ضرورة استئصال المجرم ضرورة اجتماعية لسلامة المجتمع. وهذا المعنى أكده سفير المملكة لدى الأمم المتحدة في جنيف - الأستاذ - فيصل بن طراد، بأن المملكة العربية السعودية دولة إسلامية، ذات سيادة تامّة، تفتخر، وتعتز بكون الشريعة الإسلامية دستورًا، ومنهاجًا لها، إذ كفلت الشريعة الإسلامية العدالة، وحفظت الحقوق للجميع دون تمييز، كما حرصت على ضمان حق الحياة للجميع، وحرّمت قتل النفس التي حرَّم الله إلاَّ بالحق، وجعلت من القصاص أداةً للعدل، وضمانًا لحق الحياة، ومصالح المجتمع العُليا، فالقتل قصاصًا هو من باب المماثلة العادلة للجاني بمثل ما جنى به. كما أشار إلى أن عقوبة الإعدام في المملكة، لا تصدر إلاَّ في أشد الجرائم خطورة، وفي أضيق الحدود، ولا يتم تنفيذها إلاَّ بعد استكمال إجراءات النظر القضائي في جميع المحاكم بمختلف درجاتها.
إن ما ورد من نصوص القرآن، والسنة، وما جاء في إجماع الفقهاء من أحكام عقوبة الإعدام في الدين، أتت متوازنة جداً في حق جميع الأطراف، بل فيها إعجاز كبير، وعدالة دقيقة، فهي من ناحية تأمر بها، ومن ناحية أخرى تمنع وقوعها في آن واحد بالضوابط، والشروط؛ تحقيقاً للعدالة الإلهية النسبية في الدنيا، والمطلقة في الآخرة؛ ولأنها نسبية في الدنيا، فإن الله - جلّ في علاه - قد أكد على درء الحدود بالشبهات، وهو مصداق لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم: « إدرأوا الحدود بالشبهات «، ثم إن المقصود منه ليس الردع - فقط -، وإنما تحقيق العدالة بكل الأبعاد النفسية، والاجتماعية، والأخلاقية، والتربوية.
بقي أن يقال: إن حماية حقوق الإنسان، وتعزيزها على المستويين - الوطني والدولي - حق مشروع. كما أن الأنظمة المعمول بها في المملكة قد كفلت هذه الحريات، وضَمِنَت ذلك على ألا يؤدي التمتع بهذه الحرية إلى انتهاك حقوق الآخرين، أو تهديد الأمن الوطني، أو النظام العام، أو المصلحة العامة، أو الآداب العامة، ويكفي أن الذين يرحبون بقيام بعض الدول بإلغاء عقوبة الإعدام، أو وقف تطبيقها عدم استنكار وجودها في تشريعات 97 دولة من دول العالم.