مها القرني ">
هذا المقال لا يطرح موضوع النصح في الممارسات الأخلاقية والدينية, لأن ذلك واجب أمرنا الله به وامتدح به عباده المؤمنين في قوله «يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر». ولكني أسلط الضوء في هذا المقال على النصح في الممارسات الحياتية اليومية, فالكثير منا يعتقد أنه يبدي اهتماما» يشكر عليه» من الآخرين, عندما يقوم بدور الناصح النموذجي, والحقيقية المحبطة للكثير أن الموضوع غير ذلك تماما!
جميعنا جبلنا على النصح في الكثير من المواقف الحياتية؛ سواء طُلب منا ذلك أم لم يُطلَب, ومهما كانت نيتنا حسنة في النصح, إلا أن الهدف الذي يتبادر إلى أذهاننا في ذلك الوقت, ليس مساعدة الآخرين, بل القضاء عليهم!, و قد يستغرب البعض من هذا الطرح ولا يوافق عليه، وخاصة من لديهم متلازمة النصح المستمر! ومع ذلك أقول لهم اتركوا لي مهمة إقناعكم وتمعنوا الأسطر القادمة جيدا..
«إسداء النصح للآخرين يقلل من شأنهم ومن قدراتهم العقلية في اتخاذ قراراتهم, يقتل إبداعهم في حل مشكلاتهم, ويقلل من شعورهم بأهميتهم, أليس النصح جارحاً؟.
«النصح «الأتوماتيكي» لا يعطي المساعدة «الحقيقة والقيمة» التي يحتاجها فعليا الآخرون. وقد يأتي بنتائج عكسية وهذا ما حصل لي تماما عندما تقمصت دور أخصائية بشرة ونصحت إحدى القريبات بواقي شمس من شركة معينة, ولم يمر إلا أسبوع واحد وتتصل بي لائمة عاتبة» قائلة «بسبة كريمك» تأثرت بشرتي..., تخيلوا يا سادة أن هذا المنتج و في لحظات نسب لي وكأنني من صنعه وسوق له، وها أنا أتحمل نتائج مفعوله, حينها قلت بيني وبين نفسي « وأنا كان مالي»!
« الموضوع الأشد خطورة أن نصائحنا لا تكاد تخلو من أهداف داخلية لنا لا نظهرها ونحاول إخفائها, «ولا تنكروا ذلك», فنحن نبحث عن من يعجبون بذكائنا ودهائنا وحنكتنا في معالجة الأمور بسرعة, من خلال نصائح غير مدروسة وليست حميدة العواقب.
«ولا تنكروا أيضا أن من خلال «مظلة النصيحة» نتحكم في حياة الآخرين, ونتعرف على أدق خصوصياتهم, من خلال السؤال البريء» وش صار على موضوعك»؟!!.
ولكن، وبالمقابل لا تستهينوا بهؤلاء الضحايا, فقد يكون لديهم أهداف أكثر عمقا ودهاء من أهدافنا, فهناك من يبحث عن شماعة يعلق عليها أخطاءه وكسله وعدم تحمله للمسؤولية, فيمتصون دماء عواطفنا ودعمنا حتى نذنب من منطلق» المذنب يبحث له عن شريك في الذنب», فهل ترضى أن تكون ذلك الشريك؟!
عبروا عن حبكم للآخرين من خلال دعمهم ومساندتهم بدلا من نصحهم والإشفاق عليهم..
وهناك العديد من الطرق التي تجعلك تقوم بدور المساند الحقيقي، وقد يكون أولها أن تمارس الابتعاد عن مشاكل الآخرين, بالطبع هذا لا يعني أن ندير ظهورنا لمشاكلهم ونقيم الحواجز بيننا وبينهم, بل بكل بساطة : لا تتحملوا مسؤولية حياتهم», فحياتهم والوفاء باحتياجاتهم مسؤولية تقع عليهم هم, ليست مسؤوليتك أو مسؤوليتي, وهذا يبرز احترامنا لهم كونهم أشخاصا مستقلين ولديهم القدرة على حل مشكلاتهم بأنفسهم.. وسوف أطرح بعض العبارات المساندة والتي تلامس العقل اللاوعي عند الآخرين مثل:
«أنت قادر على حل مشكلتك بنفسك».
«هذه فرصة لتختبر قدرتك على اتخاذ القرارات».
ثم أن التقمص العاطفي كخطوة ثانية من أجمل الطرق التي تجعلك مساندا وليس نصوحا, والتقمص العاطفي هو أن نعايش الشخص الموقف الذي يمر به بكل لحظاته وأحاسيسه ومشاعره» نعيش الدور» مثل أن نقول له:
-ليس من السهل أن تتعرض لهذا الموقف.
-لم يمر بحياتي موقف مثل هذا!
وبعد أن نشعر الشخص بأننا نعيش ونشعر بما يشعر به, نقوم بالخطوة الأهم وهي أن نشجعه على التفكير, لأن الشخص الذي يكون تحت التوتر الشديد يكون محدود التفكير ضيق الأفق, فلا يرى المشكلة بكافة أبعادها, ويكون دورك هنا توجيه بعض الأسئلة التي تساعده على رؤية المشكلة بكافة أبعادها كأن تقول له:
هل فكرت بكذا وكذا؟ وسواء كانت الإجابة بنعم أو لا, فأنت ساعدتهم بإعطاء معلومة تفيدهم وتوسع أفقهم.
وتأتي الخطوة الأكثر تأثيرا وعمقا, وهي إعطاؤك العديد من البدائل والخيارات لحل المشكلة التي يواجهها, وجرب مثل هذه العبارات:
- هل جربت كذا وكذا؟
- ما رأيك» أن تفعل كذا أو كذا؟
وتكون هنا قد دعمت صديقك وأعطيته الحرية في أن يتخذ قراره بنفسه وفق ما يناسبه ومن منظوره هو, نابع من ذاته ويتحمل مسؤوليته, بينما لم تقحم نفسك في حل مشاكله بل كنت الداعم المساند المبتعد.
وهنا أختصر لكم المساندة الحقيقية في النقاط الآتية:
- مارسوا الابتعاد عن مشاكل زملائكم, ولا تتخلوا عنهم.
- ساعدوا من خلال التعاطف معهم ومع مشكلاتهم لفظيا.
- التعايش مع الموقف وتقمص الدور .
- نقدم المعلومات لهم على شكل أسئلة.
- دله على الخيارات التي تسهم في حل المشكلة.
- هيئ له دفعات رقيقة توجهه لاتخاذ القرار الصحيح.