د. خالد محمد باطرفي
أخيرا، تم الإعلان رسميا عن موقف المملكة من أزمة اللاجئين السوريين، فقد أوضح بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس) أن المملكة وحدها قبلت مليونين ونصف المليون لاجئ منذ اندلاع الصراع، عام 2011م. كما تبرعت بأكثر من 700 مليون دولار للمخيمات في الاردن ولبنان وغيرها من البلدان. وهذا لا يشمل الدعم من الجمعيات الخيرية والأفراد استجابة لدعوة الحكومة والمبادرات الشخصية. ويضاف إليه الدعم الذي تقدمه المملكة لمنظمات الإغاثة الدولية.
الفرق بين ماتقدمه مملكة الإنسانية ومايقدمه غيرها هو أننا لانتباهى ولا نتعامل مع ضيوفنا على أنهم لاجئون. بل يتم استيعابهم ضمن النسيج الاجتماعي، ويسمح لمن اختار منهم البقاء في المملكة، بحرية الحركة والإقامة والعمل والدراسة والعلاج، وقد صدر مؤخرا مرسوم ملكي سمح لمئة ألف طالب سوري بالدراسة المجانية في الجامعات السعودية، كما وجهت وزارة التعليم باستيعاب الطلاب في المدارس الحكومية أو الخاصة على حساب الدولة.
لم تكن المملكة لتعلن عن هذه الأرقام والحقائق لولا الحملة الإعلامية الدولية ضدها، واتهامها بأنها لم تقدم ما يكفي لاستيعاب اللاجئين. ورغم أن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، الا إن هذه الدول قامت بواجبها تجاه الإخوة السوريين بشكل يفوق ما قام به غيرها من الموقعين على الاتفاقية ومنهم دول عظمى.
ولتتضح الصورة، لنستعرض بعض الأرقام والحقائق. الدول الغربية تشكو وتتململ من الآلاف الذين اختاروا المخاطرة بحياتهم للجوء إليها، رغم أن دولها من أكثر دول العالم غنى. ومع ذلك فأمريكا قررت مؤخرا أن تستقبل عشرة آلاف لاجئ فقط، وقبلت بريطانيا أقل من ذلك، وتتشاور بقية البلدان في قبول بضعة آلاف أو بعض مئات منهم. أما روسيا وإيران اللتان أعانتا النظام على تهجير شعبه، فلم تقبل لاجئا واحدا، منذ اندلاع الأزمة، ولم تدعم أعمال إغاثتهم، ومعهما الصين التي وقفت مع روسيا في مجلس الأمن لإسقاط كل قرار لحل الأزمة لا يسمح باستمرار النظام السوري.
المملكة العربية السعودية كانت دائما دولة مضيافة، فمنذ حرب تقسيم فلسطين عام 1948م، استقبلت بلاد الحرمين لاجئين من فلسطين وضحايا الحروب الشيوعية ضد الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى وغرب الصين، والتطهير العرقي البوذي في بورما، وصراعات المنطقة من العراق شمالا إلى اليمن جنوبا. بل إنها استقبلت سكان بلد كامل، الشقيقة الكويت عام 1990، وبوادي العراق المجاورة بعد الغزو الصدامي للدولة الشقيقة.
وإضافة إلى المملكة، تستضيف الدول المجاورة لسوريا أربعة ملايين لاجئ، منهم مليونان في تركيا، وربع المليون في العراق، ومليون ومئة ألف في لبنان، الدولة الفقيرة التي لا يزيد عدد سكانها على أربعة ملايين، ومئات الألوف في مصر وإمارات الخليج. وهناك من اختار الهجرة إلى الغرب، وعلى أوروبا وأمريكا وأستراليا وروسيا والصين وغيرها من أعضاء نادي الدول الكبرى استيعابهم بدلا من كيل اللوم على من يتحمل بالفعل أكبر حصة من المسئولية.
والمسئولية فقط ليس في التعامل مع مخرجات الأزمة، ولكن بالعمل على حلها. فكم صاح جيران سوريا بالقوى العظمى للمساعدة في حماية الشعب السوري من النظام المارق الذي لا يهمه موت وتهجير السكان، وتدمير البلد، للبقاء في السلطة. الأمر الذي خلق فراغا أمنيا وبيئة جاذبة للإرهاب.
كما جلب النظام من خلال حلفه غير المقدس مع إيران المزيد من المليشيات الإرهابية لتحارب في صفه، ليثير فتنة طائفية بين المسلمين، ويشعل حربا لا نهاية لها، مع تزايد أعداد المشاركين فيها. وفي الوقت نفسه تواصل روسيا والصين حجبهما لأي حلول إقليمية ودولية ويتقاعس الغرب عن فعل أي شيء حيال ذلك. ويترك الجميع للجيران التعامل مع الأزمات الناتجة ومنها الإرهاب واللاجئين، ودفع الفواتير.
واليوم فقط، يستشعر الغرب هذه الأزمة عندما طرق بعض اللاجئين أبوابه، ولكن بدلا من أن يعمل على معالجة جذورها، يختار إلقاء اللوم على ضحايا الأزمة من الدول المجاورة.
أقول لمنافقي العالم كل ماتحتاجونه لمعالجة المشكلة، هو التخلص من شخص واحد، ليتمكن الملايين من العودة إلى ديارهم. اسم هذا الشخص هو بشار حافظ الأسد، وعنوانه المجمع الرئاسي في دمشق!