محمد أبا الخيل
قبل عدة أسابيع انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي مقطعٌ مصور لعدد من ذوي الطالبات يُنادون بناتهم للخروج من المدرسة من خلال ماسورة بلاستيكية يصيحون فيها منادين، وقد أثار ذلك كثيرٌ من التعليقات الساخرة والناقدة والمبررة أيضاً، وهو بلا شك اجتهاد من إدارة المدرسة لحل إشكالية النداء العام للطالبات عند حضور ذويهن، وهو اجتهاد إبداعي قادته محدودية المعرفة ومحدودية الموارد والصلاحيات، هذا المقطع أثار رغبتي في مقارنة واقع المباني العامة والمعدة للاستخدام الجماهيري في المملكة من حيث الإدارة والاستخدام والصيانة والتشغيل ومعايير السلامة والأمن وصحة البيئة والمباني العامة المثيلة لها في بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كنت أقضي إجازة الصيف، لذا توجهت في صباح أحد الأيام لإدارة محافظة (County) منطقة سان ماتيو بشمال كاليفورنيا، وهناك عرَّفت نفسي أنني كاتب في جريدة سعودية، وأتمنى إطلاعي على واقع المباني العامة من حيث ما ذكرت آنفاً، لذا جرى ترتيب مقابلة مع أحد المسؤولين في إدارة السلامة العامة والاتصال.
من حديث طويل مع المسؤول الذي كان كريماً بالإجابة بتوسُّع عن كل ما سألت، قال إن الفلسفة التي تقوم عليها عملية إنشاء واستخدام المباني العامة في الولاية تحددها ثلاثة عناصر مهمة هي: الجدوى النفعية والطاقة الاستيعابية واستدامة المنفعة والخدمة، لذا يُؤخذ في الاعتبار عند التصميم والبناء طبيعة المستخدمين والمرافق البيئية المتوفرة وكفاءة الاستخدام واقتصادية التنفيذ، وعند الاستخدام والتشغيل يُؤخذ في الاعتبار سلامة وأمن المرتادين والعاملين في المبنى العام واقتصادية التشغيل، وفيما يخص استدامة المنفعة فنحن نعمل على أنظمة الصيانة الاستباقية، لذا أصبح من أساسيات إنشاء المباني العامة الجديدة وجود نظام إدارة المباني (BMS) مهما كان المبنى صغيراً، كما يجري العمل على شمول جميع المباني العامة القديمة بتجهيزات هذا النظام، وتولي إدارة المحافظة ذلك الأمر غاية الاهتمام بتوفير الميزانيات اللازمة وتهيئة وتدريب الموظفين القادرين على إدارة هذه النظام بصورة مركزية، كما أن هذا النظام يشمل وجود دليل إجراءات وسياسات تحدد معايير التعديلات الهيكلية في المباني العامة والتجهيزات المسموح بها والاعتبارات التي يجب الأخذ بها عند إجراء الصيانات الدورية، أو في حالة الأعطال القسرية، كما أن لكل مبنى عام خطة إجلاء في حالة الطوارئ يتم مراجعتها والتدريب عليها دورياً بإشراف واشتراك إدارات المطافئ في كل مدينة وضاحية، وترتبط كافة المباني العامة في المحافظة بنظام نداء الطوارئ العام ليتم تنفيذ خطط الإجلاء العام في حالة الكوارث البيئية.
لم أستطع أن أبعد عن خيالي، وأنا أستمع لذلك المسؤول صورة بعض المباني العامة لدينا، حيث تفتقد لمعايير سلامة الاستخدام، وخصوصاً سلالم الدرج والتي يقع فيها كثير من الحوادث المعيقة، ناهيك عن أن كثيراً من دورات المياه في المباني الحكومية العامة غير مناسبة للاستخدام الصحي.. أما المدارس، فالحديث عنها ذو شجون، فبعض المستأجرة منها حاله لا تسر الناظرين، فما بالك بسلامة الاستخدام، وأما المملوكة للدولة والتي تم بناؤها على معايير محددة للاستخدام، فقد بات البعض منها في حالة مزرية لضعف الصيانة الاستباقية وسيطرة فكر (لا تصلح ما لم يخرب).. مع أن الدولة كريمة في مخصصات البناء والصيانة إلا أن الاستفادة من ذلك ما زالت دون المطلوب، والسبب بلا شك متعلق بقصور المسؤولين عن الاهتمام بهذه الأمر الهام.
لذا أرى أنه ربما على إمارات المناطق الاضطلاع بدور الرقابة والتفتيش على صلاحية كثير من المباني العامة في مناطقها والتأكد من مناسبتها لأغراضها، ووضع المعايير التي تحدد مسؤوليات القائمين عليها، فنحن بحاجة لمزيد من الاهتمام بجعل المباني العامة مناسبة واقتصادية وفعّالة وآمنة.