محمد أبا الخيل
تهبط أسعار البترول فتهبط معها بعض طموحاتنا وآمالنا، وقد وتهبط معها قدرتنا على تنفيذ بعض المشاريع التنموية والخدمية وتحسين التعليم وتأمين السكن وتحقيق الرفاهية للمجتمع، وترتفع أصوات المطالبين بترشيد الإنفاق وشد الحزام ولجم التضخم وحماية المواطن من جشع التجار والعمل على تكوين موارد مالية للدولة من مصادر متعددة تقلل من الاعتماد على البترول - ما أشبه اليوم بالبارحة - هذا كان الواقع في الثمانينيات من القرن الماضي وربما يتكرر، ولا شك أنه أمر لن يدوم فقد يلحق هذا الهبوط ارتفاع، وتتكرر مقولة الملك عبدالله- رحمه الله- (الله يطول عمر البترول)، ولكن هل علينا أن ننتظر (20) سنة لندعو بذلك الدعاء، هل علينا أن نضع أيدينا على خدودنا وننتظر حتى يتحسن سعر البترول ثم نطلق طموحاتنا من جديد؟
المختلف بين هبوط أسعار البترول في الثمانينيات وهبوطها اليوم اننا دولة مختلفة، فاليوم لدينا شبكة طرق سريعة تربط أقصى البلاد بأقصاها ولدينا شبكة سكك حديدية جديدة، ولدينا شبكات نقل المياه المحلاة من البحر لعمق الصحراء ونظام اتصالات متطور، ولدينا عدد من الموانئ الحديثة والمطارات الجديدة ومصانع المواد الأساسية وصناعة طاقة متطورة وشبكة إمداد للوقود تشمل جميع المملكة، إجمالاً لدينا بنية تحتية تضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة، ومع ذلك لا زلنا نعتمد في دخلنا على موارد البترول بنسبة تصل إلى (80%)، والسبب أن لدينا مكونا مهما في التنمية لم يفعّل بالقدر الكافي، بل إنه أصبح عالة على التنمية، هذا المكون هو الإنسان السعودي، فالفرد السعودي بصورة سائدة لا يضيف للناتج المحلي ريالاً واحداً قبل عمر (18) وعندما يقرر الدراسة الجامعية يصبح عمر الإنتاج لديه (23)، واذا قدرنا أن نصف سكان المملكة هم تحت عمر (18) فإن نصف السكان هم عالة على الإنتاج، وإذا اعتبرنا أن النصف الباقي متساوي القسمة بين النساء والرجال ومعظم النساء خارج سوق العمل فإن (30%) فقط من السكان قادر على العمل أو مؤهل للعمل، والواقع هو أن نسبة العاملين للسكان أقل من ذلك بكثير فهي لا تتعدى (22%) تقريباً، وهذا يجعل المساهمة الاجتماعية في العمل متدنية بصورة مخيفة، فنحن بذلك أقل من معظم الدول الإفريقية، وهذا هو الخلل الذي يجعلنا نعتمد على واردات البترول في معظم احتياجاتنا التنموية.
لا سبيل لإصلاح الخلل الا برفع نسبة المساهمة الاجتماعية بالعمل ولا يمكن فعل ذلك الا بعدد من الترتيبات التي سيكون لبعضها آثار بنائية في المجتمع، وهذه الترتيبات تقتضي تغييرا في كثير من المسلمات، وقد يطول شرح بعضها بحيث لا يتسع هذا المقال لتفصيلها، لذا سأدرجها باختصار كما يلي:
1- تخصيص يوم في الأسبوع لطلاب المرحلتين الاولى والثانية ثانوي للتدرب على مهن إنتاجية مثل النجارة والحدادة والصيانة الميكانيكة والكهربائية.. إلخ وذلك لدى كليات المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني ويكون ذلك ضمن المقرر المنهجي للدراسة.
2- تحديد متطلب منهجي لطلاب الثانوية العامة يلزمهم بالعمل بدوام جزئي لا يقل عن (4) ساعات في الأسبوع لدى أي من القطاعات الاقتصادية المسجلة لدى وزارة التعليم.
3- وضع تنظيم صارم يضع حدا أدنى للأجور يشمل العمالة المنزلية ويعاقب مخالفيه بالسجن والغرامة.
4- عدم تجديد إقامة أي عامل أجنبي لا يحمل مؤهل الثانوية العامة كحد أدنى.
5- قصر الاستقدام للأجانب على حاملي شهادات الثانوية العامة وما بعدها.
6- قصر الكفالة للعامل الأجنبي على السنتين الأولى من استقدامه ثم بعد ذلك تحرير كفالته بشرط أن يكون لديه سكن ملائم وعنوان ثابت ولديه حساب بنكي.
7- وضع تنظيم يشجع المؤسسات والشركات على توظيف السعوديين بالدوام الجزئي واستثناء ذلك من تطبيق نظام التأمينات الاجتماعية.
8- إعفاء المؤسسات الصغيرة الجديدة من أي رسوم لمدة سنتين من تأسيسها.
9- قصر مشتريات الدولة التي تقل قيمة عقود تأمينها عن مليون ريال للمؤسسات الصغيرة التي يقل عدد موظفيها عن (10) موظفين.
10- وضع متطلب للقبول في الجامعات الحكومية يتمثل في شهادة عمل جزئي لدى أحد القطاعات الاقتصادية المسجلة لا تقل عن (200) ساعة عمل.
11- تشجيع عمل المرأة من خلال العمل المنزلي ودعم المؤسسات التي توفر ذلك بالقروض والإعفاءات.
هذه الإجراءات غير مكلفة ولا تقتضي تجهيزات خاصة فهي تستفيد مما هو موجود أصلاً ولكنها كفيلة على المدى البعيد برفع المساهمة الاجتماعية في العمل لنسب أعلى تتجاوز (40%)، عندها ستتغير منظومة موارد الدولة بصورة تلقائية، وسيشعر المواطن بمسؤوليته عن تحقيق التنمية المستدامة للبلاد والمجتمع، فليس من المنطق أن تكون الارض أكثر بركة من الإنسان الذي يعيش فوقها.