عماد المديفر
«في الثمانينات في تايلند، أنشأت إيران شركة استثمارية ضخمة باسم أفراد إيرانيين وذلك للعمل في شراء وتعبئة وبيع الأرز، ليصير ريعها لصالح مصاريف الدعاية لإيران بحيث لا يتوقف الصرف، بدأوا بالعمل التجاري، وتحت غطاء هذا المصنع مارسوا أعمالهم التبشيرية في نشر فكر ولاية الفقيه بين فقراء المسلمين»..
بهذه العبارة استهل الشيخ السعودي الفاضل -الذي عمل في المجال الإغاثي في عدد من دول العالم وخاصة في جنوب شرق آسيا- استهل حديثه معي عن مشاهداته في مملكة تايلند فترة الثمانينيات والتسعينيات الميلادية، وحتى يومنا هذا.. لقد استثارته رواية الفتاة الإندونيسية «بوتري» التي ذكرتها له حول نشر فكر ولاية الفقيه التكفيري الرجعي الظلامي، وفكر تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي في إندونيسيا..
وتأتي هذه المقالة استكمالاً لسابقتها، التي ذكرت خلالها على لسان «بوتري» بأن «الإيرانيين دخلوا إندونيسيا عبر حلقات تحفيظ القرآن الكريم في القرى والمدن غير الرئيسة في إندونيسيا».. يقول الشيخ: «بالضبط، هم استخدموا ذات الأسلوب في تايلند، لقد اختاروا المقاطعات البعيدة عن مراكز القوى الإسلامية.. واختاروا فيها قرى أنشئوا بها مراكز تدريب مهني، ليحتووا القرويين تحت هيمنتهم عبر نشاطهم الاحتفالي الموجه في المناسبات الدينية، كما أرادوا بناء المساجد، فامتنع المسلمون بطبيعتهم كشوافع لا يريدون أن يكونوا شيعة، فتحايل الإيرانيون ببناء صالات لتحفيظ القرآن الكريم، ومساجد غير رسمية».. ولم يستطعوا أن يمنعوهم، فاستقطبوا الأطفال والعوائل في حلقات التحفيظ.. كما سعت هذه القوى الإيرانية -بحسب مشاهدات الشيخ- لاستقطاب الشباب الفقراء المسلمين وخاصة من لهم تاريخ في الجنح والجرائم، والذين أغلقت أمامهم الأبواب، فدعتهم للمشاركة في برنامج ابتعاث ديني تعليمي في إيران مدته عامين منتهي بالتوظيف! أنشأته خصيصاً لهم، قدمته بالمجان، بل وصرفت لهم فيه المكافآت.. يقول الشيخ ممازحاً: «هو أشبه ما يكون ببرنامج #وظيفتك_وبعثتك.. لقد سبقتنا إليه إيران بأكثر من 25 سنة!».. واستقطبت من خلاله هؤلاء الشباب المسلمين ذوي التاريخ الإجرامي في تايلند ليعودوا بعده «ملالي» يعملون في حلقات التحفيظ، وليكون دعاتهم تايلنديون ومن أهل البلد..! لقد منحوهم فترة الابتعاث مكافآت مالية وسكن، واشترطوا عليهم في إيران الزواج من نساء إيرانيات لزيادة المكافآت، وهذا ما تم لأغلبهم، ليعودوا بعد ذلك مع زوجاتهم الإيرانيات إلى العمل في القرى التايلندية.. وبرواتب سخية لهم ولزوجاتهم.. يقول الشيخ: «أول من تولى منصب شيخ الإسلام في تايلند كان من أتباع الولي الفقيه»!
ولم يكتف الإيرانيون بذلك، بل عمدوا وفي موازاته، إلى استقطاب الكتاب والمؤثرين من قادة الرأي في تايلند، وخصوصاً المسلمين منهم.. يقول: «لقد دعوهم لزيارة إيران لمدة عشرة أيام.. تذاكر.. إقامة.. وبرنامج دعائي مكثف عن ما يسمونه (مظلوميتهم وأنهم ضحايا الاستكبار العالمي) وأنهم يريدون مجد الإسلام وعزة المسلمين، وأنهم أصحاب الحضارة.. لقد جرى استقبالهم من علية القوم.. بعد ذلك تم منحهم جميعاً راتباً مستمراً كدعم لما يسمونه بـ»المفكرين وقادة الرأي المسلمين» بغض النظر عن ماذا سيكتبون، ودون تدخل منهم بذلك، فلهم أن يكتبوا ما يشاءون حتى لو كان ضد فكر ولاية الفقيه.. فرواتبهم مستمرة.. ومع الوقت بدأ الميل التدريجي في الإعلام والصحف الإسلامية لصالح إيران»!
ويستطرد: «تذكر أحداث مكة، وحج عام 1987م؟.. وما اقترفه التخريبيون الإرهابيون الإيرانيون بحق حجاج بيت الله الحرام من أعمال قتل وترويع؟ ومحاولتهم اقتحام الحرم المكي الشريف؟.. حينها اهتم المسلمون في العالم بمعرفة ما جرى.. وفي اليوم الثالث من هذه العمليات التخريبية الإرهابية المجرمة جرى استئجار أربعة من أكبر صالات العرض السينمائي في بانكوك، وعرض الإيرانيون فيها فيلماً وثائقياً لهم مفتوح بالمجان أمام الجميع لمدة ستة أشهر، وعلى مدار 24 ساعة بلا توقف لتشويه رؤية الشعب التايلندي وتضليلهم تجاه هذه الأحداث الإجرامية، وعرض وجهة نظرهم الخبيثة تجاه الحادثة للترويج للدعاية الإرهابية التي تتبناها داعش والقاعدة وتنظيم الإخوان اليوم والتي تقول بأن الحرمين الشريفين مختطفة من قبل دولة عميلة لقوى الاستكبار والتصهين!.. إلا أن عددا من أهل السنة هناك كذبوا الرواية الإيرانية، وشككوا فيها، لكنهم للأسف لم يجدوا ما يدعم قولهم ورأيهم رغم أنهم أصحاب الحق.. وبعد أكثر من ستة أشهر وصل عدد 20 شريط فيديو فقط إلينا على ما فيها من ضعف في النص والإنتاج والجودة، جرى توزيعها على مسؤولي الدولة في تايلند من قبل سفارتنا هناك، دون عامة الشعب.. فتأمل الفرق»!..
الأسبوع المقبل أحدثكم عن تجربة الفتاة الإندونيسية «بوتري» التي سعت لتعلم دينها والتاريخ الإسلامي واللغة العربية فكاد حرصها على ذلك أن يجعل منها ضحية لأيديلوجيا الولي الفقيه بتسهيل من تنظيم الإخوان المسلمين هناك.. دون أن تشعر! وكيف أن الإيرانيين اتبعوا ذات الأساليب في إندونيسيا.. فوصلوا من خلالها إلى البرلمان! .. وإلى ذلكم الحين أستودعكم الله.. فإلى اللقاء.