عماد المديفر
لم يكد حبر الاتفاق النووي بين إيران والدول (5+1) يجف حتى تَكشَّف للأجهزة الأمنية في دولة الكويت الشقيقة مستودع ترسانة ذخيرة إرهابي متكامل زرعته طهران في العبدلي، وآخر في عدان، يحويان أطناناً من الذخيرة والمتفجرات والقنابل وأجهزة اتصالات وملابس عسكرية وخرائط، لم يكن ليكتشف أمرهما لولا أن رُصِد نشاط ملحوظ لخلايا حزب الله الكويت، تمهيداً لاستخدام هذه الترسانة لزعزعة أمن الكويت..!
بالنسبة لنا، فهذا الأمر ليس مستغرباً من دولة هي محور الإرهاب والشر في العالم، فقد خبرناها جيداً، وهو ما يفسر تلك المخاوف التي أطلقناها كمتابعين لمجريات الاتفاق النووي، الذي جاء عرابه وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» ليروج له برفقة وزير الطاقة، في حملة علاقات عامة شعبية عبر وسائل الإعلام العربية, مدعياً بأن إبرام الاتفاق «سيجعل المنطقة أكثر أمناً»..! بينما كنا كشعوب عربية تتمتع بخبرة لا بأس بها، بل جيدة، بالممارسات والسلوكيات الإيرانية غير الصديقة على مدار أكثر من ثلاثين سنة هي عمر النظام الرجعي الإرهابي الثوري في الضفة الشرقية من الخليج العربي، نعلم تماماً ضلال هذا الرأي وفساده، وأن مثل هذا الاتفاق الذي بموجبه تستلم إيران فوراً مليارات الدولارات المجمدة، وترفع عنها العقوبات الاقتصادية والعسكرية تدريجياً، أنه سيعزز من قدرات هذه الدولة العقائدية الشريرة، ويرفع من قدراتها المالية، وبالتالي يُنبئ بشكل واضح بارتفاع متوقع لوتيرة الإرهاب والعنف بالمنطقة والعالم..!
وهذا الرأي - بحسب متابعين - يتفق مع ما بين يدي «البنتاغون»، ووكالة الاستخبارات الأمريكية - التي كان لها مساهمة في كشف بعض الخيوط الدالة على خلية حزب الله الكويت بحسب تقارير إعلامية - يتفق مع ما بين يديهما من معلومات وحقائق رصدتها وترصدها على الأرض، وتخالف في استنتاجاتها وقراءاتها توجهات «كيري»، وإدارة «أوباما» التي لم تعتمد على هذه المعلومات المحققة بشكل كافي في توجهاتها وقراءاتها السياسية، بل استندت - من ضمن ما استندت إليه- على ما تقدمه بعض مراكز الأبحاث والدراسات من قراءات غير دقيقة مبينة على معلومات مضللة جمعها باحثون أمريكان من أصول إيرانية.
لقد عهدنا من إيران الغدر والخيانة والكذب ونقض العهود والمواثيق في سبيل تحقيق أحلامها الشيطانية، فها هي طائرة وزير خارجيتها «ظريف» لم تكد تقلع من مطار الكويت، بعد أن أوصل رسائل «الطمأنة» و شدد على «تمسك إيران باحترام مبادئ حسن الجوار»، و «حرصها على أمن المنطقة»، حتى رصدت أجهزة الأمن الكويتية تحركات مشبوهة لعناصر كويتية إرهابية مجندة لصالح الحرس الثوري الإيراني تنتمي لما يسمى بـ «حزب الله الكويت»، بالتزامن مع تفجير إرهابي تبناه تنظيم «داعش» الإرهابي مستهدفاً مسجداً لإخوتنا الشيعة في الكويت، نفذه عنصر تم تجنيده واختياره بعناية ليحمل الجنسية السعودية وليكون من أبناء منطقة بعينها، جرى واستقباله، وتوفير المتفجرات له ودعمه لوجستياً من داخل الكويت، وبالتأكيد لم تكن هذه التحركات صدفة، أو صنيعة مجرد جماعات إرهابية راديكالية متطرفة بشكل عفوي، بل هي عمليات استخباراتية مدعومة، ومخطط لها بعناية.
وتأتي عملية الكشف عن مستودع الذخيرة المهول هذا في منطقة «العبدلي» التابعة لمحافظة «الجهراء»، وهي ذات المحافظة التي يقطنها من استقبلوا الإرهابي الداعشي مفجر المسجد الشيعي في الكويت، وأعطوه الحزام الناسف، ودربوه على استخدامه، وتحركت منها السيارة التي استخدمت لإيصاله إلى الهدف الذي لا يعلم هو أساساً أين يقع.. تأتي هذه العملية لتشير بأصابع الاتهام مجدداً لدولة الولي الفقيه، ونظامه الإجرامي، وعلاقته بالتنظيمات الإرهابية الراديكالية السنية والشيعية، وسعيه لكل ما يؤجج الفتنة والصراعات المذهبية والطائفية، حتى ولو كان الضحية هم أهلنا من الشيعة، فهم عنده مجرد وقود لمشروعه لنشر الإرهاب والفوضى والاقتتال الأهلي، تمهيداً لبسط نفوذه وسلطته من خلال المجاميع العميلة، تماماً كما سعى ويسعى في لبنان، والعراق، وسوريا، واليمن، والسعودية، والبحرين، ومصر التي لم يكن ليحكمها تنظيم الإخوان المسلمين لفترة من الزمن عبر عنصره «محمد مرسي» لولا أن هربته عناصر حزب الله من السجن بمعية جواسيسها المحكومين هناك، وما تلى ذلك من دعم مادي ومعنوي لا تزال تعاني مصر تبعاته في سيناء بشكل خاص..
وإن كانت العقوبات الاقتصادية التي فرضت على هذا النظام قد تسببت في السنوات الأخيرة في «خنقه» اقتصادياً، خاصة مع المصروفات المهولة التي ينفقها على سوريا، واليمن، إلا أن هذا الاتفاق النووي بينه والدول الخمس زائد واحد جاء لينعشه، وينقذه من حالة الإفلاس التي كاد أن يصلها..
إن تاريخ العقوبات الاقتصادية والعسكرية على إيران يخبرنا بأنها لم تفرض لمجرد البرنامج النووي فقط..! بل لسلوك هذه الدولة الراعية للإرهاب على مدى تاريخها، منذ حادثة احتجاز الرهائن الأمريكان، مروراً بسلوكيات حزب الله في لبنان، وتورط طهران بعمليات إرهابية داخل الكويت نفسها، وتفجيرها للسفارة الأمريكية في الكويت عام 1983م، ومحاولتها اغتيال الشيخ جابر يرحمه الله، ثم قيامها بسلسلة عمليات إرهابية تستهدف المقاهي الشعبية في الكويت راح ضحيتها عشرات الأبرياء، ثم اختطاف الطائرة الجابرية وقتل عدد من الركاب، وليس انتهاءاً بحوادث التفجيرات والإرهاب في مكة المكرمة في عدد من مواسم الحج في الثمانينيات الميلادية، ودعمها للمجاميع الإرهابية في البحرين، والعراق، وأفغانستان، والعراق، ومصر، واليمن، وغزة.
أيها السادة.. إن الاتفاق النووي بين الدول الخمس زائد واحد وإيران ما لم يضبط ويضمن سلوك إيران العدواني الإرهابي في المنطقة، والعالم، فسيكون ملاماً، بل ومتهماً عند الشعوب العربية بأنه معزز للإرهاب في المنطقة، وسيصبح جزءاً من المشكلة، لا جزءاً من الحل.