يوسف المحيميد
تباينت ردود الأفعال لدى المواطنين حول حادثة سقوط رافعة في الحرم المكي، التي خلفت أكثر من مائة شهيد، وعدد من المصابين، فمنهم من اتهم الفساد، بشكل انفعالي، وهو أسهل الاتهامات، رغم أن مثل هذه الحوادث يمكن أن تقع في أكثر دول العالم تقدماً ونزاهة، فحتى أكثر شركات العالم تطبيقاً لمعايير الأمن والسلامة قد تقع في أخطاء خارجة عن إرادتها، ومنهم من أراح ذهنه وتفكيره، وجعل الموضوع قضاء وقدرا، وهو حتى وإن كنا ندرك أنه قضاء الله وقدره، لكن لابد من تحليل ما حدث، والبحث عن الأسباب التي أدت إلى ذلك، ومعاقبة المتسبب بذلك سواء الشركة المنفذة أو غيرها، وتعويض ذوي المتوفين بشكل مجزٍ، رغم أن لا تعويض عن حياة الإنسان مهما كبرت الأرقام!
وأكثر ردود الأفعال إثارة لمشاعر الغضب، هو ما قام به مغردون من تغزل بالرافعة التي سقطت وقتلت العشرات، وأنها سجدت لله، على خلاف الرافعات الأخريات غير المسلمات، فمثل هذه السخرية لا يمكن القبول بها، وليس هذا مكانها ولا وقتها، لأن لحظة الموت لا تحتمل غير الدعاء للموتى والترحم عليهم.
بالإضافة إلى هذه الردود، كانت هناك فئة اعتبرت أن موت هؤلاء كان مقدساً، لأنه وقع في أطهر بقاع الأرض، وفي يوم مبارك، بينما ربطت فئة أخيرة، وبشكل لا يخلو من التشفي، بين حادثة سقوط الرافعة، وبين سقوط برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001 بسبب الصدفة المحضة في تاريخ وقوع الحدثين، وهو الحادي عشر من سبتمبر!
وبعيداً عن كل ردود الأفعال العاطفية، التي نتميز ونبرع فيها نحن العرب، جاء تحليل الحادثة، وما صحبها من سوء في الأحوال الجوية، في تقرير علمي قامت به قناة سي إن إن، كافياً وواضحاً، حينما أشارت إلى أنه بمراجعة التقارير الجوية، تبين وجود سحب كثيفة وأمطار في المنطقة، وكانت درجة الحرارة 45 درجة مئوية، وبسبب غزارة الأمطار وتركزها في موقع واحد، حدث فجأة انخفاض مفاجئ في الضغط الجوي شمل جيباً سحابياً من خلال انخفاض سريع في الحرارة إلى درجة 25 درجة مئوية، وذلك خلال ساعتين فقط، هذا الانخفاض لا يؤثر في سرعة الرياح السطحية، وإنما يؤدي إلى تكوّن دوَّامة في موقع واحد، بسرعة عالية جداً تدفع الرياح من وسط السحابة باتجاه سطح الأرض، وهي ظاهرة جوية طبيعية معروفة. وهذا الاندفاع المفاجئ للرياح نحو سطح الأرض، وبقوة عالية جداً، تسبب في كسر الرافعة.
أخيراً، علينا أولاً أن نؤمن بقضاء الله وقدره، وثانياً نبحث عن الأسباب التي أدت إلى الحادثة، وإن كان ثمّة أسباب بشرية أو إهمال، نقوم بمعاقبة المتسبب، ثم نبادر بتعويض ذوي الموتى مالياً، ونعمل على علاج المصابين ونرعاهم طبياً حتى يتم لهم الشفاء بإذن الله وهذا ما ستفعله الدولة وعودتنا عليه.