يوسف المحيميد
أحد المغردين يقول بشكل ساخر، كم انتظرنا هذه اللحظة التاريخية! وهو يعني أن القطار الوحيد من المنطقة الشرقية إلى الرياض تم إطلاقه في الخمسينيات زمن حكم الملك سعود- يرحمه الله-، وأنشئت له مؤسسة عامة متكاملة، كمؤسسات البترول المعادن، وتحلية المياه، والخطوط وغيرها من المؤسسات التي حملت تشغيل قطاع متكامل ومهم من قطاعات الدولة، خلافاً لقطار وحيد ويتيم، ربما كان الحلم آنذاك أن تتبعه عدد من الخطوط الحديدية، لكن العقود من السنوات مرت دون شيء يذكر، وأصبح هذا الخط الوحيد متقادماً وبائساً وكئيباً، حتى اكتشاف معادن الفوسفات والبوكسايت في شمال المملكة، مما جعل استثمارها يحتاج إلى بنية تحتية جيدة، وخدمات متطورة، لنقل المواد الخام من مناطق وجودها في حزم الجلاميد، وفي القصيم، إلى رأس الخير على الخليج العربي الذي أنشئت فيه مصانع كبرى للأسمدة والألمنيوم وغيرها، ومن البنى التحتية المهمة جاء إنشاء قطار الشمال لحمل المواد الخام من الفوسفات والبوكسايت، بحيث تنقل الرحلة الواحدة من هذا القطار أكثر من 15 ألف طن من هذه المواد الخام، أي ما يزيد على حمولة 600 شاحنة، وهو أمر اقتصادي بلا شك، سينقل البلاد إلى نهضة صناعية مهمة، وتنويع متميز في مصادر الدخل للدولة.
هذه الفكرة الاقتصادية الرائعة تضمنت استثمار هذا القطار أيضاً في نقل الركاب، ليربط بين أقصى مدن الشمال وحتى العاصمة الرياض، من القريات شمالاً وحتى الرياض جنوباً، مروراً بالجوف وحائل والقصيم والمجمعة، مختصراً الوقت، وموفرا الراحة، والأمان، والسلامة، بعدما أهلكت الخطوط البرية عشرات الآلاف من المواطنين، وقد جاء القطار بمواصفات وخدمات متطورة، من بينها خدمة توفير نقل سيارات الركاب إلى المدن المقصودة، فضلا عن المحطات الحديثة.
ويبقى السؤال ما إذا كان هذا الخط بداية إنشاء شبكة حديدية حقيقية في المملكة، تربط العاصمة الرياض بالعاصمة المقدسة مكة المكرمة ومدن الحجاز من جهة، ومن جهة أخرى تربط العاصمة بمصيف البلاد، مدن الجنوب أبها والباحة وغيرهما؟ أم سيكون كالتجربة القديمة، ليمضي نصف قرن وأكثر دون أن تكتمل هذه الشبكة من الخطوط؟
أتمنى، ويتمنى آخرون، أن تتمكن المملكة من تحقيق القفزة العالية نحو الحداثة والتطور، وتمتلك أفضل شبكة خطوط حديد بشكل خاص، وشبكة نقل عام متميزة، بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها بسبب انخفاض أسعار البترول، لأن حسن إدارة موارد الدولة ستجعلنا قادرين على ترتيب احتياجاتنا حسب الأولويات، فالنقل العام في نظري، سواء بين المدن، أو داخل المدن الكبرى، هو من أهم التحديات التي تواجهها المملكة، لذلك حتى لو وصل القطار من القصيم إلى الرياض، وأسعدنا ذلك كثيرا جدا، فهو لم يصل بعد إلى جميع مدن المملكة!