د. حمزة السالم
تدور بين الناس أحاديث عن انخفاض أسعار الأراضي، بسبب انخفاض أسعار البترول التي قد توثر على الاستمرار في السياسة التوسعية للإنفاق الحكومي بسبب العجز في الميزانية. وجاء مزاد النخبة الذي حدث في الرياض على أراض حكومية، بحي الرائد والرحمانية والمحمدية ليعكس صورة مخالفة عن توقعات الناس. فقد بيعت قطع الأراضي بأغلى من السعر المتوقع بألف ريال كما يقول أهل العقار. وبالتالي فقد رفع المزاد قيمة أسعار الأراضي في تلك الأحياء كما أنه سيرفع نسبة وتناسبا أسعار الأراضي في الأحياء الأخرى، وسيتعدى أثره -بالصوت- للمدن الأخرى.
وبحسب تويتر، فقد افترق الناس على تفسيرين أساسيين. فمن قائل هذا هو سعر السوق، وانخفاض الأسعار مجرد إشاعات يشيعها من لا أرض له. وآخر يرمي باللائمة على مؤامرة أو اتفاق بين كبار الملاك ليرفعوا سعر المزاد ليخلقوا سقفا سعريا وهميا.
والصحيح أن كلا التفسيرين بالجملة صحيح في عموم المعنى لا في حقيقته.
فالمزاد يمثل سعر السوق. ولكن لماذا؟ والأسعار ستواصل الارتفاع في ظل المعطيات الحالية، فلِمَ؟ وملاك الأراضي هم من رفع سعر المزاد ولكن كيف؟
فبداية وتمهيدا للإجابة، فإن السوق تستجيب لتوقعات الناس بغض النظر عن صحتها أو عدمها. وتوقعات الناس كانت نزول الأسعار. وعدم نزول السوق لا يُعد تصرفا خارجا عن طبيعته وقوانينه. فاستجابة السوق للتوقعات غير المؤكد زمن حدوثها، هي عدم انعكاس هذه التوقعات على الأسعار حتى تصبح التوقعات شبه مؤكدة.
فهذه أسواق الأسهم تتضخم، ويعلم كل مُتاجر فيها أنها ستنهار، ولكن لا يخرج غالب المتعاملون منها حتى يقعوا في شباك الانهيار. والسبب هو عدم التأكد من زمن الانهيار. وكذلك، فكل منا يعلم أكيدا أنه سيموت. ولكن لا يعرف متى! لذا لا تنعكس، على تصرفاته وقرارته، هذه المعلومة الحتمية الحدوث، لأنها غير محددة بزمن معين.
والمجتمع السعودي، والعالم من قبله ومن خلفه، هول من مسألة انخفاض أسعار البترول. ولكن بغض النظر عن التهويل، فلو افترضنا أنه صحيح ووقع عجز شديد نتج عنه تقشف حكومي أشد، فإن هذا لن يُخفض أسعار الأراضي.
فهذه مدن العالم الفقيرة المحدودة جدا في توفر البنية التحتية، كالهند وفيتنام وسوريا قبل الثورة وغيرها، أسعار الأراضي في عواصمها والمدن المهمة فيها، بملايين الدولارات رغم أن شعوبها، يعيش غالب الأفراد فيها، على أقل من عشر دولارات في اليوم. ففقر الحكومات في الواقع أو تقشفها قد يكون سببا في غلاء الأراضي السكنية لا خفضها. وذلك بسبب عدم إنفاق الدولة على توسع المدن في البنية التحتية. فمتى توفرت القدرة الشرائية في خمسة بالمئة أو أقل، فسيكفون لرفع أسعار الأراضي المحدودة التي يتوفر فيها البنية التحتية الأساسية.
وإن كان مقدمة هذه الحقيقة تظهر وكأنها لا تنطبق علينا، لأن الدولة قد استثمرت كثيرا في البنية التحتية وتوفرت مساحات شاسعة في المدن، إلا أنها في موضوعنا هنا، تنطبق علينا. وذلك لأن هذا الاستثمار الحكومي لا أثر له على سوق العقار للأسباب التالية:
1. امتلاك أفراد قلة لغالب الأراضي، من قبل إنشاء البنية التحتية.
2. عدم تأثير تأثير أراضي الدولة، المباعة، على عرض السوق. فبغض النظر عن تقشف الحكومة لو حصل، فإن ارتفاع مستوى نسبة الثراء، في الأفراد السعوديين، يُعطي مُلاك الأراضي مقدرة شرائية تمكنهم من شراء واستيعاب ما تطرحه الدولة من من أراض يمكن سكنها في العشرين عاما القادمة. فما تبيعة الدولة يدخل في مخزون العرض السابق. وأكبر شاهد مزاد النخبة بالأمس.
3. أن تجميد الكاش في الأراضي هو أفضل استثمار عندنا اليوم، في ظل ثقافة عدم أخذ الفوائد على الودائع. كما أنه يكاد أن يكون طريق الاستثمار الوحيد الممكن للمبالغ الكبيرة، بشاهد مئات المليارات المُجمدة في الودائع الجارية عند البنوك.
4. عدم وجود ضرائب على الأراضي، مع تضييق الزكاة فيها مقابل توسيع الزكاة على المال العامل في التمويلات، يجعل الأراضي أجدى استثمارا على الإطلاق.
5. وعدم وجود ضرائب يزيد ملاك الأراضي بنفس طويل على الصبر لقهر السوق وإجبارها على الارتفاع فضلا على المحافظة الوقتية للأسعار الحالية.
والأسباب الستة تشرح كذلك، كيف عمل ملاك الأرضي والمستثمرون على رفع سعر المزاد.
وخلاصة القول، إنه بشراء ملاك الأراضي لأراضي الدولة، تم عزل أثر ضخ الدولة لأراضيها على عرض السوق، فإن الأسعار ستظل ثابتة على الأقل إن لم ترتفع. وسيقترن بذلك هيمنة حالة عدم التأكد على سوق الأراضي عندنا. وذلك، لأن توقعات الناس حول أثر العجز على أسعار الأراضي غير صحيحة. ولكن السوق تستجيب للتوقعات. فما بين التوقعات وما بين عدم وقوعها لعدم صحتها، يظل السوق في حالة فوضى سعرية أفقية مع بعض من عدم استقرار.