د. فوزية البكر
هل أتيح لكم يوما تأمل حجم الأفكار والأفعال العنصرية التي نعيشها كل يوم واعتدنا عليها حتى أننا لم نعد ننظر لها على أنها عنصرية قدر ما نعتبرها جزءا (طبيعيا) مألوفا جدا إذ جرت العادة عليه فلما استنكاره؟
لو تأملنا حياتنا فعلا. أقصد حياة كل يوم لوجدنا أن جل تفاصيلها مبنية في عمقها على كل تمييز عنصري يمكن التفكير فيه وهو ما نحتاج إلى مراجعته علانية حتى نفهم جذوره ونحد من تشعبها في أفئدة أجيال لا ذنب لها سوى أنها ظهرت في أوساط ثقافية واجتماعية تتغذى وتلعب على تمايزات قبلية وأسرية وعرقية ومذهبية تهدد الكيان الأساسي للدولة الذي يجب علينا في مجتمعات العصر الحديث أن نحتكم إليها.
لاحظوا معي حجم التمايزات العنصرية التي نستيقظ عليها كل يوم: في الصباح تتفتح عيون أطفالنا على شغالة منزلية ينظر إليها بدونية لأنها (من شعب فقير غلبان) وهي تؤدي أعمالا لا يمكن لنا الاستغناء عنها بالطبع ولكننا نستنكف القيام بها ولذا فهذه المحتقرة لفقرها مقابل تفوقنا المالي الذي يجبرها على أن تعمل في منازلنا دون توقف، دون ساعات محددة ودون عطلة أسبوعية أو حتى شهرية وهي محظوظة إذا كنا أمينين معها بإعطائها مرتباتها في وقتها وتذكرة كل عامين لمدة أربعة أسابيع فقط. تخيل نفسك تعمل طوال عامين أي بالضبط 730 يوما ولك فقط 30 يوما منها إجازه !!! (قسمها كيفما تشاء لتعرف أنها قسمة مروعة)!
ثم نشحن أبناءنا وبناتنا مع السائق الذي هو الآخر (أقل) منا ولا يفهم فهو أيضا عامل من دولة فقيرة ننظر له بأنفة! (لماذا؟) لأننا وبفعل المقدرات النفطية تمكنا من الاحتفاظ بنظام بائد يمنع المرأة من القيادة وهو ما مكننا من توظيف أمثاله للإبقاء على هذا النظام الاجتماعي الغريب الذي سجلنا باعتبارنا من القرن الواحد والعشرين الذين لا يزالون يمنعون المرأة من قيادة السيارة!
مع أبنائنا، هناك تمايزات أخرى قائمة على الجنس فالولد أفضل من البنت ليس لأن الوالدين يحبون الذكور أكثر بل لأن المجتمع كما النظام نفسه يضع هذا الذكر في مرتبة قانونية أكبر من الفتاة وليس أدل على ذلك بأن الولد حين يبلغ 18 يحذف من بطاقة عائلته ويستقل هو (كذكر) كامل ببطاقة مفردة في حين تبقى الفتاة في بطاقة والدها حتى يهيئ الله لها زوجا (يتملكها) بحيث يتم نقل ملكيتها من بطاقة الوالد إلى بطاقة الزوج! (أية سخرية)!!
ثم نصل إلى البقالة لنتعامل مع شخص آخر يبيع لنا أشياءنا وآخر ينظف شوارعنا وحاراتنا وآخر يعبئ سيارتنا بالبنزين وآخر يبني قطاراتنا ويحفر شوارعنا لنصل إلى المدرسة أيضا بمعظم عمالها الفقراء وربما ينطبق الأمر حتى على بعض المعلمين إذا حدث وكانوا من غير السعوديين وخاصة في المدارس الأهلية؟
ثم تبدأ حفلة التمايزات بين الطلاب السعوديين أنفسهم سواء تعلق الأمر بالاسم الأخير أو بالقبيلة أو موقع الأب في سلم العمل الحكومي أو البنكي أو ضخامة الأرصدة أو القرب من صانع القرار وهكذا يغرق طلابنا دون وعي منهم في بحر هذه التمايزات الاجتماعية والطبقية والقبلية التي تترسخ في أذهانهم بفعل نظام التنشئة الاجتماعية التي يقيم ألف حساب لكل هذه الفروقات.
يمكن لي أن أمضي في تعداد أوجه المماراسات العنصرية التي نمر بها في يومنا حتى نخلد إلى النوم لكن كل صفحات الجريدة لن تكفي لكتابة كل التفاصيل.
والفكرة هي في دعوة كل من يقرأني الآن إلى مراجعة مواقفه الفكرية الحقيقية (وليس المظهرية المدعاة) تجاه ما حوله من أشخاص وخاصة غير السعوديين وأولئك الذين من غير طبقتنا أو بيئتنا أو أصدقائنا مع التأكيد على نزع غشاء المجاملات والتصريحات الرسمية التي اعتدنا على سماعها حتى تكلسنا وهنا سنتبين مقدار التهيئة الاجتماعية العنصرية تجاه الأشخاص والأشياء التي تغرقنا بها بيئاتنا المحلية.
العالم اليوم يعيش فكرا عالميا يؤمن بحق الأشخاص جميعا أفرادا وجماعات في العيش الحر المتساوي على أساس ما منحنا الله من خصائص سواء تعلقت هذه الخصائص بلون الجلد (كأن تكون أسمر أو أبيض أو أصفر أو أسود) وحيث أننا بالضرورة سنرث بعضا من خصائص والدينا الجسدية والنفسية والعقلية لذا ما يتبقى لنا هو غالبا الخصائص الثقافية والاجتماعية التي يمكن لنا تعديلها وتقويمها كما يحدث في كل أنحاء العالم.
التعليم العام (من الابتدائية حتى نهاية الثانوية) يمكن أن يلعب دورا مهما في تعديل هذه الاتجاهات عن طريق محتواه وطرق تدريسه والأهم اتجاهات معلميه ومعلماته (ولا أدري ما أقول في هذا الشأن وأترك الحكم لكم!!!) لكن يجب دائما أن نتفاءل ونأمل في التغيير وكل ما نستطيع عمله هو دعم الاتجاهات الإيجابية نحو عالم حر متساو والتي ترسخها سياسات تعليمية واضحة تؤكد على قبول التميز الشخصي وفي الوقت ذاته ترحب وتشجع التنوعات الشخصية والعرقية والاثنية والدينية.
من غير هذه السياسات لن نستطيع أن نعيش في سلام مع العالم الذي يتوجس منا بعد كل ما عملناه ودمرناه عبر هذه المجموعات المتطرفة التي تملأ فضاء العالم الإسلامي ولنتذكر أن خمسة عشر من التسعة عشر الذين دشنوا قصة تدمير العالم في الحادي عشر من سبتمبر 2001 كانوا كما تقول أمريكا سعوديين، أرجو أن نتذكر ذلك لنتخذ قرارات أكثر عقلانية تبقينا على وجه الأرض.