محمد سليمان العنقري
صرح وزير التجارة والصناعة ومحافظ الهيئة العامة للاستثمار بأن توجيهاً ملكياً كريماً صدر بدراسة الأنظمة التجارية والاستثمارية، وذلك بقصد تسهيل عمل الشركات العالمية بالسوق السعودي، وجاء الإعلان عن ملامح تلك التوجهات خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - للولايات المتحدة الأمريكية، مما يحمل بُعداً مهماً بأن تكون هذه التوجيهات خلال زيارة لدولة تحتل المرتبة الأولى كأكبر اقتصاد عالمي، وفيها أهم الشركات الكبرى بمختلف المجالات عالمياً، مما يُوصل الرسالة لكافة الشركاء التجاريين مع المملكة ويفتح الباب أمام شركاتها للتواصل مع الجهات المعنية لاستكشاف الفرص والحوافز التي تجذبهم للاستثمار محلياً، فالتوقيت والمكان والزمان لإعلان هذه التوجهات له أهمية كبرى بما أن الهدف هو ضخ المزيد من الاستثمارات العالمية باقتصاد المملكة.
ولعل التوقيت له أهمية كبيرة حيث إنه يأتي في أعقاب الإعلان عن توصل القوى العظمى لاتفاق حول الملف النووي الإيراني بما يضعف بنسبة كبيرة خطر نشوب حرب بالمنطقة ستكون آثارها كارثية، إلا أن هذا الخطر بات أقل احتمالاً وقد يكون له دور بتسريع الحلول السياسية للكثير من الملفات الشائكة بالمنطقة والتي بدأ أولها باليمن بعد عاصفة الحزم، ولا يبدو الملف السوري بعيداً عن الانتقال لمرحلة لعلها تنهي المأساة الكبرى فيها، إلا أن هذه التحولات سيكون لها أثر مهم بعودة التفكير للشركات العالمية بالاستثمار بالمنطقة، كون المخاطر باتت تتجه للانحسار في أحد أهم المناطق الاقتصادية بالعالم.
فمنذ الإعلان عن التطور الكبير بمفاوضات الملف النووي الإيراني قبل حوالي عامين بدأت الكثير من الشركات العالمية تنظر للاستثمار بالمنطقة بإطار مختلف، وأصبح تحت أنظارها وتخطط له في حال سارت المفاوضات بالاتجاه الذي انتهت له قبل أشهر قليلة حتى تكون من المستفيدين من سوق ضخم بالمنطقة يهمها أن يكون له تواجد فيه يحقق أكبر فائدة لها، وكنت قد كتبت مقالاً بعنوان: (نووي إيران.. ومستقبل الاستثمارات بالمنطقة) في عام 2013م استقرأت فيه أنه في حال أُنجز، فسيكون السباق محموماً لجذب وضخ الاستثمارات من قِبل الدول بالشرق الأوسط والشركات العالمية، وبالتأكيد ستكون الفرصة للأكثر جاهزية من دول المنطقة لنيْل الحصة الأكبر.
ورغم أنه من المبكر تقدير حجم الاستثمارات القادمة، إلا أن الإعلان عن دراسة كافة الأنظمة التي من شأنها تسهيل جذب الشركات العالمية للاستثمار بالاقتصاد الوطني يُعد خطوة أولى ومهمة بما أن المملكة تملك إمكانيات كبيرة تسمح بالحصول على حصة مهمة من حجم الاستثمارات التي يمكن أن تأتي لمنطقتنا، فمع وفرة مالية كبيرة ووجود بنى تحتية مناسبة وفرص كبيرة لاستقطاب تلك الشركات لأكبر اقتصاد عربي وأكبر سوق استهلاكي وأنظمة تُعد متقدمة في القطاع المالي وغيرها من القطاعات التي طوّرت تشريعاتها بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية قبل عشرة أعوام، مع إنفاق هائل على التعليم والتدريب وبرامج الابتعاث ووجود حوالي 40 مدينة صناعية واقتصادية وتعدينية، تصبح كل الظروف مواتية لأن تستقطب شركات ضخمة بمجالات عديدة تحتاج المملكة لأن توطّن صناعاتها وخبراتها وتقنياتها في اقتصادها، وذلك للنهوض بالصناعة المحلية وتوفير فرص العمل وزيادة حجم الصادرات للأسواق المجاورة والعالمية بحسب توجه تلك الشركات في حال قدومها مستقبلاً.
إلا أن التحدي يبقى في سرعة إنجاز تلك الأنظمة، وما يشملها من محفزات جاذبة والتي يقع تنفيذها على عاتق الجهات المختصة، وكذلك التواصل مع تلك الشركات لكي تتمكن من استكشاف الفرص والإجابة على تساؤلاتها للتعرف على أي عقبة يرونها موجودة لتذليلها وتضمينها للأنظمة التي ستدرس وتقر، فالتنافس سيرتفع بالمرحلة القادمة بين دول المنطقة كافة لاستقطاب تلك الشركات، وعامل الزمن بإنجاز تلك التغييرات المطلوبة بالأنظمة والتشريعات مهم جداً لتحقيق أفضل النتائج المستهدفة، فحجم الفرص كبير فعلياً باقتصادنا، ولا بد من ترجمته على أرض الواقع، مما يعني أن على الجهات الحكومية دوراً كبيراً بالمرحلة الحالية لتحقيق تلك الأهداف التنموية وجذب الاستثمارات النوعية التي ستسهم بتغيير كبير مستقبلاً بالاقتصاد المحلي، خصوصاً بالفكر الإداري لقطاع الأعمال.
العالم تحوّل من نمط العلاقات التجارية التقليدية إلى مفهوم الشراكات التجارية، ودول المنطقة لا بد من أن تدخل بعمق في هذا النمط الجديد، وبما أن إمكانيات الاقتصاد المحلي كبيرة فإن الفرصة للاستفادة من الانفتاح على الاقتصاد العالمي واسعة الأفق وتتطلب تسارعاً بأداء الأجهزة الحكومية المعنية لتوفير البيئة الجاذبة للشركات العالمية لتكون الفرص الوظيفية من خلالها مجزية، ويتم تفعيل الاستثمار الكبير الذي تحقق بالكوادر البشرية، وكذلك زيادة بالدخل والناتج المحلي والتصدير والاستفادة من المواد الخام والوسيطة التي تصنع بالمملكة التي يصدّر جلّها للخارج ليتحول جزءٌ من إنتاجها للطلب المحلي وتوفر فرص استثمار وتوظيف وخدمات للمستهلك والمصنعين المحليين كبيرة لتقلل من الاعتماد على دخل النفط والإنفاق الحكومي أكبر مؤثرين بالناتج المحلي ونموه منذ عقود.