محمد سليمان العنقري
ذكرت وزارة العمل في تقريرها السنوي الذي تم استعراضه في اجتماعات وزراء العمل بمجموعة العشرين المنعقد في تركيا أن تحديات حلول البطالة تتمثل في النقص الواضح في الوظائف المجزية في القطاع الخاص، التي يفضّلها السعوديين، والاعتماد الزائد على الوافدين في القطاع الخاص، كما أن نسبة البطالة لدى الشباب أعلى من نسبة البطالة على صعيد المملكة ككل، فيما يأتي التحدي الرابع في أن الطلب على العمالة لا يتطابق بشكل كفء مع المعروض من العمالة، وأخيراً مشاركة القوى العاملة النسائية ما زالت منخفضة بالمقارنة مع مشاركة الرجال.
من المعروف أن وزارة العمل لا تنتج وظائف انما يتمحور دورها في هيكلة الانظمة والتشريعات لتطوير سوق العمل ليصبح بيئة جاذبة تحمي كل الاطراف، بينما يقع توليد فرص العمل على الجهات الرسمية المعنية بالتنمية وتطوير الاعمال بالاقتصاد، الا ان ما يلفت النظر ذكر الوزارة بتقريرها النقص بالفرص المجزية بشفافية تعد كبيرة لانها توضح تماماً ما يحدث بالسوق حيث نتج عن بعض البرامج كنطاقات سعودة وهمية وكذلك توظيف أعداد كبيرة برواتب منخفضة حيث أشار تقرير سابق لمؤسسة التأمينات الاجتماعية ان حوالي 55 بالمئة من المشتركين المواطنين رواتبهم اقل من 3500 ريال، بينما يظهر الاحصاء الرسمي ان اكثر من نصف المواطنين العاملين بالقطاع الخاص يعملون بقطاعي التشييد اي المقاولات وكذلك التجزئة من اصل حوالي 1.6 مليون مواطن يعملون بالقطاع الخاص والجهات الحكومية الخاضعة لنظام التأمينات الاجتماعية.
فما هو السبيل لايجاد الفرص المجزية التي يقبل بها السعوديون وماهو تعريفها ؟ فالاجابة على هذه التساؤلات بالتأكيد تعد اساساً لإيجاد الحلول النوعية التي تساهم بخفض البطالة حاليا ومستقبلا خصوصاً ان التوقعات تشير لدخول 1.4 مليون شاب وشابة لسوق العمل حتى العام 2020 م وبحسب ارتفاع نسبة الملتحقين بالتعليم الجامعي تحديدا فإن غالبية طالبي العمل سيكونون مؤهلين بتعليم جيد، مما يعني ان على كافة الجهات التي تعد المسئولة عن تنشيط الاقتصاد والتنمية فيه ان تعمل كمنظومة تسرع من انتاج فرص العمل، فليس هناك مشكلة بوجود وظائف ذات صبغة مؤقتة او يحدث بها تدوير بأي اقتصاد الا ان التحدي هو التوسع بالاعمال التي تولد فرص عمل مجزية بدخلها وامانها الوظيفي.
فالفرص الجيدة بمفهومها العام لابد ان تكون من خلال التوسع بأنشطة ذات ارتباط وثيق مع غيرها من النشاطات، بحيث تكون مكملة لها ولا تخضع لعوامل متذبذبة كالانفاق الحكومي الواسع الذي حدث منذ حوالي عشر سنوات إلى الان لانه بالتأكيد لن يبقى بنفس القوة كونه مرتبطاً بانجاز بنية تحتية لها سقف زمني حتى تنجز وتمر بخطط عامة تهدف لتعزيز الفرص امام نمو بالقطاع الخاص يستفيد من وجود هذه البنية ، ولذلك فإن الوصول لنمو ذاتي بالقطاع الخاص يمر عبر دعم قطاعات رئيسية حتى تصل لتحقيق اهدافها الاستراتيجية كالصناعة والسياحة والخدمات عموماً، ومن اهم ما يفترض ان يتم التحرك السريع به هو دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لانها تعد اكبر الحلول للبطالة مع اتباع كل الاساليب التي تطبقها كبريات الدول الناجحة بدعم دور هذه النوعية من المشاريع ففي كثير من تلك الدول يبلغ من يعمل بتلك المشاريع قرابة 75 بالمئة من مجمل القوى العاملة فيها، فقد تنشأ الدولة مشاريع او شركات كبيرة في بعض القطاعات لكن ما يربط بتلك الشركات من أعمال مساندة يوفر فرص عمل اكبر بأضعاف ممن يعملون مباشرة بتلك الشركات.
اما من الناحية الخدمية فإن الاتجاه للتوسع بالتخصصات المهنية ودعم رفع دورها بتولي اعمال الصيانة الخاصة للمنازل وللاجهزة والمعدات التي يمتلكها الافراد كالالكترونيات وغيرها سيعتبر تطوراً كبيراً ومهماً لحلول البطالة وبناء مشاريع خاصة توفر فرصاً مجزية، ولذلك فإن فتح المشروعات الصغيرة يحتاج لتنظيم واسع وتمويل، وكذلك لمتابعة من الاذرعة التمويلية الحكومية او من جهاز قد ينشأ للاشراف عليها بحيث يكون هناك مختصون مهمتهم المتابعة مع اي فرد يؤسس مشروعه لتقديم النصح له حتى يتجاوز كل العقبات التي تعترضه في عمله، فلا يمكن ان يوفر القطاع الخاص فرص العمل من خلال المفهوم البسيط المترسخ عند ذكره بحلول البطالة فاذا ما توفر الربط بين طلب الجهات الحكومية والشركات الكبرى للسلع والخدمات بنسبة جيدة من تلك المشاريع او المنشآت الصغيرة فإن دورها سيكبر بالاقتصاد وستوفر فرص عمل ضخمة.
اما الحلول التي تساند التوسع بقطاع الاعمال لتلك المنشأت فهي تتركز بالاشراف والتدريب والتمويل والدعم بانظمة تساندها وتوفر بيئة صحية لها، وكذلك تقليص دور العمالة الوافدة التي تسيطر على تلك الاعمال بخطة متوازنة تبقي المنافسة عادلة للمواطنين باختراق تلك الانشطة على مدى عمر زمني يكون تقديريا في مدة لا تتجاوز الخمس سنوات لترتفع نسب المواطنين العاملين بمختلف الانشطة الحيوية والمهمة، مما يعني بالضرورة هيكلة بالاستقدام للعمالة الوافدة لتلك الانشطة ورفع بنسب قبول المهنيين بالمعاهد المهنية والتقنية عبر انشاء المزيد منها كما حدث بالتوسع ببناء الجامعات بكافة مناطق المملكة اضافة لما هو مقترح من رفع نسب التوظيف بعقود الصيانة الحكومية بالتزامن مع تفعيل برامج الخصخصة الحكومية المعتمدة من سنوات بعدد من القطاعات التي تدار من قبلها حالياً.
مؤكد ان ايجاد فرص العمل الجيدة ذات الاستقرار القوي والدخل المجزي تعني بالضرورة تحولات كبرى بالاقتصاد المحلي، الا ان ذلك امر لابد منه حتى يتعزز النمو الاقتصادي وينخفض معه جزء مما تتحمله الميزانية العامة من دور بتوفير فرص العمل المباشرة وغير المباشرة حتى تتحول لفائض قوة بالملاءة المالية الحكومية يستخدم عند الحاجة أو للتوسع بتطوير أعمال ومشاريع وانشاء شركات لا يمكن للقطاع الخاص القيام بها مما سيوسع من التكامل بين ادوار القطاع العام والخاص لتحقيق اهداف خطط التنمية.