جاسر عبدالعزيز الجاسر
ما يحدث في لبنان من اعتصامات وتظاهرات وفشل سياسي وأخلاقي لمن يقودون العمل العام في هذا البلد يؤكد سقوط النهج الطائفي الذي أُريدَ تعميمه في أكثر من بلد عربي. فالطائفية وما يسمى بالمحاصصة، وهي تقسيم السلطة والمناصب عبر توزيع الحقائب والوزارية على «الدكاكين» السياسية للطوائف والمذاهب والأعراق، أثبتت فشلها، وأنها طريق يقود ليس للفشل، بل لتعميم الفساد، ونهب المال العام؛ إذ امتدت المحاصصة من اقتسام السلطة والوزارات إلى نهب أموال الدولة والشعب.
قضية تراكم النفايات في شوارع بيروت فضحت جميع من يعملون في الشأن العام، وبخاصة قادة الأحزاب السياسية ومعاونوهم؛ فهذه الأحزاب في أفضل تسمية لها ما هي إلا «دكاكين» حزبية للمذاهب والطوائف والأعراق في لبنان؛ فكل جماعة تنتمي إلى مذهب أو طائفة دينية وكل أصحاب عرق يكوِّنون ما يسمونه حزباً للدفاع عن مصالح المنتمين إلى ذلك المذهب، أو الذين ينتمون للعرق الواحد؛ ليصبحوا تجمعاً من أجل الدفاع عن مصالح فئة مذهبية أو عرقية؛ وبالتالي لا بد أن تصطدم مصالح هذا التجمع المذهبي أو العرقي مع التجمع الآخر.. وهنا يصعب إيجاد مشترك بين التجمعين؛ ما يؤدي إلى الصدام، الذي يتفاقم حينما يقود هذه التجمعات مَنْ يحوِّلون العمل العام والسياسي من خدمة الإنسان والمجتمع إلى خدمة المصالح؛ إذ تتقلص أهداف تلك التي تسمي أنفسها أحزاباً إلى خدمة قادتها وزعمائها، إلى درجة «تأليه» تلكم الزعماء - والعياذ بالله -.
وهكذا تتحول إدارة البلاد إلى ما يشبه بشركة محدودة مغلقة على قادة أحزاب بعينهم، كل منهم يدعي تمثيل طائفة أو عِرْق، بل حتى جماعة، وفي سبيل هذا الهدف المعلن لا يتردد في تقديم خدمات لجهات خارج بلده على حساب مصلحة لبنان.
لا يحتاج المرء إلى جهد ولا إلى تخصص وعلم لتشخيص أصحاب «الدكاكين» الطائفية والعِرقية، الذين دمروا لبنان، وحوَّلوه من بلد إشعاع فكري وثقافي إلى بلد مصدِّر للنعرات الطائفية، بل حتى للجماعات الإرهابية.. فهناك دول عربية مجاورة، وحتى غير مجاورة، تعاني من الإرهابيين الذين يصدِّرهم «دكان» طائفي، أسموه «حزب الله»، وهو بعيد عن تعاليم الله؛ إذ يرسل إرهابييه لاقتراف وممارسة القتل والإجرام في سوريا، ويدرِّب المجرمين والإرهابيين في الكويت ودول الخليج العربية الأخرى كمملكة البحرين، ويشرف على معسكرات الإرهاب في العراق..
وضع لبنان أصبح خطراً، ليس على أهله فقط، بل على المنطقة التي يوجد فيها؛ فـ»الشركة الطائفية» التي توزِّع حصص الحكم فيه دبَّ الخلاف بين أعضاء مجلس إدارتها؛ ما ينذر بأخطار محدقة، تتجاوز لبنان إلى خارجه.