عبد الاله بن سعود السعدون
التظاهرات الشعبية في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية ذات الأكثرية الشيعية ولهذا الحراك الوطني معاني عميقة ومؤشرات واضحة على فشل ما يسمى بالعملية السياسية التي استمرت لأكثر من ثلاثة عشر عاماً وتفشي معها الفساد المالي والإداري في جسم المؤسسات الحكومية وعدم حيادية القضاء بل كان مسيراً سياسياً.
المالكي وحزبه (الدعوة) كان في غفلة سياسية حينما اعتقد واثقاً بأنه الممثل الوحيد لأبناء الطائفة الشيعية ومفوض من قبل المرجعية الدينية الشيعية المتمثلة بالمرجع السيد علي السيستاني وكثيراً ما صرّح المالكي وبثقة عالية بأنه ممثل المكون الشيعي ولا يمكن لأي كتلة سياسية أخرى أن تأخذ السلطة منه وعلى حد تعبيره (بعد ما ننطيها) وبهذا الفكر السياسي الأحادي البسيط همش فكر كافة أبناء الطائفة الشيعية والتي كان لها الدور الرئيسي في التاريخ السياسي للدولة العراقية منذ تأسيسه حتى يومنا هذا.
وأفرزت التظاهرات الشعبية صوت المواطن الحر شعاراًً مكتوماً في باطن الجماهير العربية طيلة ثلاثة عشر عاماً وهو إعلان رفضهم للنفوذ الإيراني في العراق وبصوت عالي بشعار رفعوه (إيران بره بره... بغداد صارت حرة) وهذا مؤشر مهم وجديد برفض السيطرة الإيرانية بين أبناء الطائفة الشيعية وبزوغ سياسة حرة مستقلة في العراق تتمثل بمطالب المتظاهرين في ساحات المحافظات المنتفضة في الوسط والجنوب من البلاد صاحبة الأكثرية الشيعية للتخلي من سيطرة حكام طهران.
وقد حاول الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني الضغط على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بعدم تقديم المالكي للمحاكمة واستبعاده من تقرير البرلمان الأمني الذي اتهمه بضياع الموصل والتقصير بواجبه العسكري وسوء التصرف بصفته القائد العام للقوات المسلحة إلا أن طلب السليماني قوبل برفض العبادي وطلب منه عدم التدخل بالشأن العراقي وترك السليماني الاجتماع غاضباً و مهددا لرئيس وزراء العراق في حالة التعرض للصديق نوري المالكي.
التأخير في تنفيذ مطالب الجماهير الغاضبة من قبل حكومة العبادي أعطى انطباعا لديهم بأن هناك تسويف وتباطؤ من قبل رئيس الوزراء وخشيتهم من تحويل مجرى التظاهرات نحو مصلحة الأحزاب المذهبية وضياع حراكهم الوطني لمعرفتهم بأن الحكومة تتعرض لضغوط هذه الكتل والأحزاب المرفوضة وأيضاً هناك ضغط قوي ومستمر من نظام الملالي خشية انتقال التظاهرات لشوارع طهران ومطالبة الشعوب الإيرانية بالإصلاح علماً أن بقاء الدكتور العبادي مرتدياً جلباب حزب الدعوة والذي يرأسه نوري المالكي لا يعطي الثقة التامة لدى الجماهير الثائرة.
كل هذه المؤشرات السلبية تعطل التنفيذ الجذري والجاد لمطالب الجماهير الثائرة في المدن العراقية وقد يحول يأس المتظاهرين من جدية العبادي بتنفيذ مطالبهم المشروعة ومع نفاذ صبرهم قد تتحول تظاهراتهم السلمية إلى انتفاضة مسلحة تخرب البلاد ومعها تبدأ مرحلة الفوضى الخلاقة والتي بشرت بها (كونديليزا رايس) قبل سنين ونتيجة لهذه الفوضى يتم تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم منفصلة فهل يدرك العبادي أولاً وجماهير الحراك الشعبي خطورة التلكؤ في تنفيذ المطالب الإصلاحية واجتثاث المفسدين بمحاكمة حيتان الفساد المتورطين بضياع ثروات العراق وتسهيل استيلاء عصابات داعش على ثلث التراب العراقي وأتمنى على الإعلام العربي مساندة هذا الحراك الوطني العراقي وفسح مساحات واسعة لأخبارهم وتطور حركتهم في وسائل الإعلام تضامناً مع الجماهير المتظاهرة من أجل إنقاذ شعب العراق العربي من النفوذ الإيراني وعملائه من الكتل المذهبية.
الفترة القليلة القادمة ستشهد مفاجئات مهمة في المشهد العراقي يرافقها تغيير كامل في شكل العملية السياسية وانتهاء تأثير الكتل والأحزاب المذهبية الطائفية والخشية من استيلاء قادة المليشيات المسلحة على السلطة والمؤيدة من الحرس الثوري الإيراني.