د.محمد الشويعر
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
إن من يسير بغير هدى أو معرفة لشرع الله، الذي شرع لعباده, فإنه كمن يمشي في ظلام، أو من يسير بغير هدى؛ لأن شرع الله الذي شرع لعباده قد غاب عنه بمن جذبه للمنحدر. وقد بيَّن الله سبحانه حال أولئك التائهين في تشبيه دقيق محسوس،
فقال عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أعمالهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَة يَحْسَبُه الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إذا جَاءه لَمْ يَجِدْه شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّه عِندَه فَوَفَّاه حِسَابَه وَاللَّه سَرِيعُ الْحِسَابِ * أو كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّي يَغْشَاه مَوْجٌ مِّن فَوْقِه مَوْجٌ مِّن فَوْقِه سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إذا أَخْرَجَ يَدَه لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّه لَه نُورًا فَمَا لَه مِن نُّورٍ} (39 - 40) سورة النــور.
وهذا ما يجب بذل الجهد فيه؛ حتى لا تتيه العقول، ومن ثم تضيع الأفكار في مسارب ضالة، بعيدة عن المنهج السليم، المستمدّ من مصدري التشريع في دين الإسلام، بدون تأويل أو انحراف.
ولأن طريق المسلك الصحيح في العبادة والعقيدة كالطرق الموصلة من مكان لمكان، فالطرق التي تأخذ بمن سلكها إلى المعروف بعلاماتها وإرشاداتها هذه هي الطرق الآمنة الموصّلة للهدف بطمأنينة وارتياح، أما غيرها من الطرق فإنها تؤدي للضياع والاضطراب النفسي، ومن ثَمّ يُدفع من سلكها إلى الفساد والإفساد، ويقوده لذلك الفكر الضال المغذّي بالحقد والكراهية، المستمد من أعداء دين الله سبحانه، رغبة في التفريق بين المسلمين وإضعافهم.
وهذا ما يجب الاهتمام بالشباب من أجل تحصينهم؛ حتى لا يؤثر فيهم الأعداء بفكرهم الضال، وتأويلاتهم المجانفة للصواب، وفتاواهم الضالة، فيضرّ نفسه وأهله ومجتمعه، ويتسبب في فتح ثغرة على أمته وبني جنسه.
وبعد أن وجده الأعداء مطية سهلة الركوب، تحقِّق مآرب الخصوم، دون أن يبرزوا في المواجهة: لا هم ولا أعوانهم, وهذه أمنيتهم في تضليل شباب الأمة. وقد أورد رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - لأصحابه وسيلة إيضاح، تقرّب المعقول بالمفهوم في السبل المتعدّدة، التي ستكون منها الفتن بعده.
فقد كان عليه الصلاة والسلام جالساً بينهم، فخط في الأرض خطاً مستقيماً، ثم خط خطوطاً عديدة على جنباته، وقرأ الآية الكريمة: {قُلْ هَذِه سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللّه عَلَى بَصِيرَة أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّه وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف.
فأشار - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ هذه الآية إلى الخط المستقيم، ثم قرأ عليه الصلاة والسلام الآية من سورة الأنعام: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِه ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِه لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (153) سورة الأنعام،
وأشار إلى الخطوط الأخرى.
ولكي يحرص المجتمع، ومعهم العلماء بآرائهم وتوجيهاتهم، على المحافظة على الشباب بصفة خاصة، وتمكين الإيمان في قلوبهم؛ لأنهم هم المستهدفون من الانجراف مع تيارات أهل الأفكار الضالة، فإنه لا بد من رعايتهم والاهتمام بهم، والمحافظة عليهم، بالتحصين الذي يحمي عقولهم عن الميل لآراء الآخرين، كما أن الأطفال في أمسّ الحاجة للوقاية والرقابة, وتحصينهم, وتوفير البديل الملائم لهم, وتعويضهم عن بعض النماذج مما يخرج في وسائل الإعلام، بإعلام سليم يغذي عقولهم بما يمكن عوامل الخير والمنفعة، وذلك بتخصيص قنوات جادة، وبرامج خاصة للأطفال في أوقات معينة؛ لتكون قاعدة راسخة لأولئك البراعم، عوضاً عما يوجد حالياً مما هو مستورد، ووراءه مفاهيم بعيدة عما يراد تركيزه للطفل المسلم المعدّ لمهمة كبيرة، وهذا من أهم ترسيخ الإيمان عقيدة، مع الأمانة؛ لتكون خصلة يتحلّون بها بعدما يكبرون، ولينفعوا أنفسهم ومجتمعهم.
وهذا ليس بدعاً في المجتمع الإسلامي بل أمراً واجباً؛ إذ في كثير من مجتمعات العالم، الغربية منها بصفة خاصة, أوقات محددة للبثّ التلفزيوني والفضائيات، وفي دور السينما للكبار، ويمنع منه الأطفال والنساء. وما يعد فيها مما يغذي العقول مخصصة للأطفال لتنمية ما يريدون في عقولهم؛ ليرسخ ما يريدونه فيهم. ونحن المسلمين في تعاليم ديننا وما شرع الله لنا قاعدة راسخة في ثقافة الطفل، إذا أُحسن الاختيار, وتمت تنقية ما يعدّ للطفل، حسب تدرج سنوات عمره، حتى يصير متمكناً عقيدة، وقوياً في كل أمر يعترضه وفيما ينفعه، وينفع أمته بالشواهد المستدركة، من أبناء الإسلام وأعمالهم؛ حتى يتأثر بهم؛ ليعمل مثلما عملوا.
أما أفلام الكرتون الخيالية فهي لا تنمي فكراً, ولا تؤصل عقيدة أو إيماناً، بل لا يوجد فيها ما يحثّ على الأمانة.
فإن الطفل المسلم في أمسّ الحاجة لأن يوجه إليه ما فيه الخير والنفع، في البث الموجه لهم، وبأوقات مخصصة، ويحجب عنهم ما يوجّه للكبار حماية لعقولهم من التذبذب والاختلاط وفقاً للقاعدة: العلم في الصغر كالنقش في الحجر.. واستبدال ذلك بأمانة وحرصٍ شديدين؛ حتى يكون المخزون الذهني عندهم جيداً ونافعاً.
والأمانة على العقول التي أساسها العقيدة الصافية والمعرفة السليمة بالدين ألزم من الأمانة على الدرهم والدينار؛ لأن الأساس أمكن وأسلم من الفرع؛ فيجب المحافظة عليه.
والأب السّوي لا يتمنى لابنه إلا أمثل السبل وأحسنها؛ لأنه يعتز بذلك، وهذا من رعايته للأمانة، التي هي من الإيمان. والطفل أثمن جوهرة في عِقْد الأمة؛ فيجب رعايته، إذا كنا نريد أجيالاً نافعة صالحة ومصلحة.
وهذه من الواجبات التي يحسن أن تتمكن عند المجتمعات في تربية أبنائهم، خاصة منذ أن كانوا أطفالاً؛ حتى يدركوا ما عليهم من دور، وما يجب على من يعنيه توجيههم وتعليمهم من تعاون في تنبيههم عن المخاطر والحذر منها، ومن ذلك حسن الاختيار في المصاحبة والمدارسة.. والبعد عن قرناء لا يطمئن لأفكارهم، ويمثل ذلك في قصص وصور في المواد الدراسية؛ ما ينمي عنده علاقة آمنة، والبعد عن كل أمر ضار بالفرد أو المجتمع.
وقد رسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته طريقاً، من سلكه وسار فيه -كما قلنا في مقال سابق- سَلِمَ ونجا؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - ناصح ومرشد لما فيه الخير والصلاح، وهو خير معلم وموجه عليه الصلاة والسلام.
وحذيفة بن اليمان الصحابي الجليل يقول: «كنت أتعلّم الشر مخافة الوقوع فيه، وكان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر»؛ لذا علّمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المنافقين، فكان أمين سرّ رسول الله - عليه الصلاة والسلام -.
ولا ينبغي للجميع، شباباً وشيوخاً، رجالاً ونساءً، أن يعتدّوا بقدراتهم ونظراتهم لما يدور حولهم، بل لا بدّ من الاستشارة والمناصحة، وسؤال الله بتثبيت القلوب على الحق والعقيدة الإيمانية الصادقة؛ إذ إن من انحرف عن جادة الصواب يعتقد طريقه هو الأمثل والأصوب، وعندما تختلف المعايير وتختلط الأفكار فإن الله قد أمر بسؤال أهل العلم، المستمد علمهم من مصدري التشريع الإسلامي: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ حتى يؤدوا دورهم بأمانة: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} سورة الأنبياء، الآية 7.
نسأل الله الهداية، والثبات على الحق..