د. عبدالعزيز الجار الله
هل تغافلت أوروبا أو تناست تاريخها القريب، هل محت من ذاكراتها رحلات اللجوء والتوطين زمن الحروب الداخلية وزمن الأمبراطوريات الاستعمارية منذ القرن السابع عشر ؟
هجرات تاريخية انطلقت من غرب وشرق ووسط أوروبا باتجاه معظم القارات، واليوم العالم الأوروبي المتحضر الحقوقي الذي أقر فتح الحدود للاجئين أثناء الحرب، نراهم يطاردون المهاجرين واللاجئين أطفالا، نساءً، شيوخا من: سوريا، العراق، ليبيا، الباكستان، أفغانستان، وبعض دول أفريقيا. تلاحقهم بالكلاب، الأسلاك الشائكة، الهراوات، الأسلحة النارية، شاحنات الموت، قوارب الغرق، وتتركهم عرضة للعصابات وتقلبات الجو الحارة والباردة في الغابات المظلمة ليواجهوا مصيرهم بلا رحمة ولا وازع أخلاقي أو حقوقي أو شفقة تاريخية.
الهجرات الأوروبية من أسبابها الحرب الداخلية أو الانتقال إلى المستعمرات الجديدة بلاد ما وراء البحار، فكانت وجهات المهاجرين من أوروبا في بداية القرن السابع عشر: أمريكا الشمالية، كندا، الأرجنتين، البرازيل، أستراليا، نيوزلندا, جنوب أفريقيا، روسيا. وفي العالم العربي وأفريقيا والهند فقد شهدت في الحقبة الاستعمارية من القرن السابع عشر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن العشرين شهدت أوروبا حركة نزوح كبيرة للمستعمرات الجديدة والهروب من بؤر الحروب في أوروبا إبان الحربين الأولى والثانية، فقد كان النزوح الأوروبي من: فرنسا، إيطاليا، بريطانيا ألمانيا، إسبانيا، البرتغال، ودول شرق أوروبا والبلقان و دول حوض البحر الأبيض المتوسط الشمالية. حيث انتقل المهاجرون من شمال البحر الأبيض المتوسط إلى مســتعمرات دول حـــوض المتوسط الجنوبية: سوريا، لبنـان، فلسطين، مصر، ليبيا، تونــس، الجزائر، المملكة المغربية، إضافة إلى دول الصحراء الأفريقية ووسط وشرق أفريقيا، ودولة جنوب أفريقيا والهند واستراليا ونيوزلندا. فلم تقابل دول الجنوب شعوب أوروبي -تقابلها - المهاجرة بالكلاب الغادرة والأسلاك الشائكة والمطاردة غير الإنسانية ، جاء المهاجرون من شمال المتوسط لنهب خيرات دول الحوض الجنوبي، وامتلاك الاقطاعات، واستنزاف مواردها الاقتصادية، والثراء من موجودات دول الجنوب، وبالمقابل خرجوا منها بعد الحرب العالمية الثانية 1945م بعد حقبة استعمارية دمروا فيها الشعوب والموارد الطبيعية .
المطاردات اليومية لمهاجرين ولاجئين من سوريا والعراق وليبيا وبعض دول أفريقيا الفقيرة صورة يملؤها الذل والبؤس وغياب الضمير والقيم الأخلاقية لدول متحضرة تعي حقوق حماية اللاجئين زمن الحرب، ولها ذاكرة تاريخية تعرف ماضي دولها التي عاشت الشتات وويلات الحرب والتهجير في زمنها القريب، نراها اليوم تتجرد من القيم الأخلاقية في مطاردة لاجئين من الحرب عزل فروا من القتل في البراميل المتفجرة والسيارات المفخخة، فروا إلى موت آخر موت العطش والموت في شاحنات تكدست بها أجسادهم وقوارب الغرق في عرض المتوسط المتلاطم.