لا أذكرُ متى وأين قرأتُ الخبر التالي:
غريد الشيخ أول امرأة تضعُ معجماً للغة العربية!
دهشتُ من ذلك الخبر في الصفحة الثقافية، الصغير شكلا، الكبير مضمونا، العميق تأثيرا فيّ، سرحَ بي الفكر إلى أسئلة كثيرة منها:
س1/ من الذي سيضعُ معجمًا في لغة لديها المعاجم التراثية العتيقة التي يعيد طبعها بعض المؤسسات التي تُعنى باللغة العربية ؟!
س2/ هل يُعقل أن امرأة وضعت معجما؛ لإدراكي جيدا صعوبة وضع المعاجم والموسوعات فهي تحتاجُ إلى مؤسّسات كبرى وميزانيات ضخمة.. ؟
س3/ ثم ما الجديد والمختلف الذي يمكن أن يضيفه ذلك المعجم للمكتبة العربية ؟!
وبعد قراءتي لتفاصيل ذلك الخبر حصلت على إجابات مطمئنّة لأسئلتي -المذكورة أعلاه -؛ ولكن الأسئلة أبت مغادرة عقلي دون أن تطرح أسئلة مختلفة:
س1/ يا إلهي! لم لا تُكرّم هذه المرأة تكريما عاليا في بلدها أو في أي بلد عربي آخر ؟!
س2/ لم لا يوضع هذا الخبر في الصفحة الأولى من الصحيفة ذاتها؛ لإدراكي جيدا بنوعيّة هذا الإنجاز الذي قدمته وأهمية المعاجم الحديثة المتقنة للغة الأم وأهميتها في الحفاظ على الهوية التي قد تهددها المخاطر الخارجية في الوقت الحالي؟!
س3/ من هي غريد الشيخ..؟
كنت في تلك الأيام، منغمسا ومستمتعا في مشروع قرائي وضعته لنفسي وهو: قراءة سيرة ألف عظيم ممن وضع بصمة مؤثرة في هذه الحياة ولعل أهم المعايير التي وضعتها هي: أن تكون القراءة مفتوحة لأي سيرة مهما كانت جنسية صاحبها أو معتقده أو جنسه.. .الخ فالمعيار واحد: أن يكون وضع بصمة مؤثرة في هذه الحياة!
قررت البحث عن سيرة غريد الشيخ فهي ممن وضع بصمة خالدة ورائعة ونوعية في هذه الحياة؛ لأن الذي عملته ليس سهلا فهي كابدت وصبرت حتى ظفرت, ويؤكد هذا ما أشارت إليه في إحدى مقالاتها المنشورة في مجلة العربي الكويتية - إن لم تخني الذاكرة - عن المعجم الذي كاد أن تطير صفحاته في الهواء الملون بدخان حرب تموز عام 2006م وكانت قلقة عليه جدا في ذلك الوقت؛ لكن لطف الله وعنايته أبقت صفحات ذلك المعجم في مكانها الذي يليق به؛ إلى أن ظهرت في شكلها الجميل والمرتب المتقن.
أهميّة ذلك المعجم الذي وضعته غريد ليس مجرد معجم في رفّ مكتبة منزليّة أو جامعية يقصده الباحث عن جذرِ كلمة، أو مصطلح علمي مبهم، أو لفظ غريب، أو معنى متداول...الخ فحسب؛ إنما تكمن أهميته الكبرى في الحفاظ على اللغة العربية وإحيائها واللغة تعني هُوية وهي الوجود.. في كثير من كتب المفكرين النّابهين تأكيد على الخطر الذي يهدّدُ الأمة العربية من المشاريع الخارجية التي تهدد الوجود العربي ذاته ومحاولة محوه في المستقبل؛ فمعجم غريد تماما كما السلاح الناعم القويّ الذي يدافع عن هُويتنا في الحاضر والمستقبل.
الأمم الناجحة تهتم بمعاجمها إذ يتم العناية بها من المؤسسات العالمية العريقة مثل: قاموس أكسفورد في اللغة الإنجليزية الذي يتم تجديده وتحديثه باستمرار وغيرها من القواميس.
أعود للصديقة غريد التي بحثت عن اسمها في “Google “ كعادتي مع الأشياء التي أود معرفتها سريعاً، دلفتُ - أيها القارئ العزيز إذا لم تعرف معنى دلفت فدونك معجم غريد - إلى موقع اثنينية عبدالمقصود خوجة والتي تُعنى بتكريم الرواد أصحاب الإنجازات الباهرة في مختلف المجالات، اطلعتُ على سيرتها الموجودة في الموقع الشبكي وشعرت بالفخر والزهو لسببين:
1 - أن بلادي المملكة العربية السعودية ممثلة في الوجيه الشيخ: عبدالمقصود خوجة، ساهمت في تكريم هذه الباحثة التي تستحق تمثالا من الذهب؛ نظير إنجازها الفريد.
2 -سيرتها العطرة الرائعة التي فيها العديد من المؤلفات والمعاجم والشروحات وتحقيق مخطوط اعتلال القلوب للخرائطي المتوفى سنة 327هـ وغيرها.. يالله وأخيرا عرفت غريد الشيخ المعجمية التي وضعت ذلك الانجاز الباهر والتي تسميه: ابني.. وحق لها في ذلك.
لفت انتباهي من بين المؤلفات الموجودة في السيرة: سلسلة أيام معهم فسجلتها في وريقة صغيرة كي أقتنيها لمكتبتي وذهبت للمكتبات في الرياض أسأل عنها فلم أعثر عليها للأسف..!؛ لكني لم أرجع بخفي حنين حصلت على أحد كتبها وهو “ أحلى ما قيل في الجمال “ ويالله كم طربت لهذا الكتاب الجميل الممتع؛ حتى إنني قلت مازحا بعد انتهائي منه إذا أردت أن أخبر أمي بمواصفات الزوجة التي أريدها فإنني سأعطيها هذا الكتاب.
تمضي الأيام سريعا حتى وضعتُ حسابا لي في موقع “تويتر”، بحثت عن اسم: غريد الشيخ؛ كي أتواصل معها وأستفسر عن مؤلفاتها وكيف الحصول عليها وأرسلُ إليها بعض مقالاتي التي أنشرها في الصحف وأشكرها على السيرة العطرة والمؤلفات الباهرة فإذا بي أجدها على “تويتر “ فظفرت بكرم المتابعة منها، وامتدت العلاقة إلى “الفيسبوك” وسعدت جدا عندما وضعت النسخ الإلكترونية لسلسلة أيام معهم بين أصابع إبهامي أقرأها في أي وقت أريد، قرأت أيامها مع نزار قباني التي أعدها من أفضل ما كُتب عن ذلك الشاعر العظيم فهي تُعطي صورة بسيطة ورائعة وجميلة أو كفيلم سينمائي رائع عن ذلك الشّاعرِ، فهي ليست مثل تلك الكتب التي تعظم وتبجل وتعطي صورة مبالغة فيها أو العكس.
لم ألتق بالصديقة غريد قطّ؛ سوى اللقاءات “الفيسبوكية” أو عبر صفحات مؤلفاتها، وأخيرا كان اللقاء الجميل في برنامج “ست الدنيا” على تلفزيون لبنان، أشعرني هذا اللقاء بأنني ألتقي بها ولو عن طريق المشاهدة عرفني أكثر على غريد اللطيفة و”دانييل” البسّام وبقيّة العائلة الكريمة.. غريد أعادتني لمشاهدة تلفزيون لبنان الذي لم أشاهده منذ سنوات..
الصديقة العزيزة الأديبة الرائدة: غريد يوسف الشيخ محمد، سلالةُ المجد الزاهر للأمة العربية والإسلامية ذلك المجد الذي كان فيه الفرد هو من يبادر ويؤسس المشاريع الحضارية الكبرى... فاطمة الفهرية هي من أسست أولى الجامعات والخليل بن أحمد أول من وضع معجم في اللغة.. وغيرهم من الأفراد العظماء الذين ساهموا في بناء حضارتنا ومجدنا وأنتِ يا غريد امتداد لأولئك العظماء ومن سلالة مجد الأمة الزاهر.
إضاءة:
لو كنا نعلم غير الشكر منزلة..
أوفى من الشكر عند الله في الثمنِ..
أخلصناها لك من قلوب مطهرة..
شكرا على ما أوليتِ من حسنِ...
جزاك الله خيرا يا أستاذة غريد لجهودك العظيمة وأدعو الله أن يطيل بعمركِ على طاعته؛ كي تكملي سلسلة أيام معهم وآمل أن يكون للمتنبي أوفر الحظ والنصيب من هذه السلسلة..
- حمد الدريهم