الرسالة التي ضيعتها وزارة الحج ">
والحج مناسبة دينية كبرى والتقاء نادر تتنوّع فيه الأعراق والثقافات، والهموم أيضاً، وتنعكس الآثار على كل جوانب الحياة بدءاً من الديني وانتهاء بالاقتصادي، وبينهما يغيب الأثر الثقافي الذي تنعقد عليه آمال كثيرة.
وتبعاً لأهمية المناسبة تأسست واحدة من أولى الوزارات في البلاد لرعاية شؤونها والتخطيط لتطوير الأعمال المتعلقة بها، لكن هذه الوزارة تنازلت عن بعض أدوارها التي يتوقعها الجمهور، وتفرغت للإشراف على شركات الحج والعمرة ومؤسسات الطوافة؛ وهذا دور إداري محدود.
تاريخ الوزارة يؤكد على وجود الدور الثقافي في أجندتها ومن أجله أصدرت واحدة من أثرى المجلات في المملكة كان لها حضور مميز في فترات سابقة، وشكّلت منبراً ثقافياً يعتد به، ثم تحولت مع الأيام إلى نشرة علاقات عامة وملف توثيق للمشاريع التي تنجزها الجهات المعنية بخدمات الحج!
تحولت المجلة وضاعت هويتها، ويبدو أن رسالتها مرهونة بمن يديرها، وهو في الغالب من غير أبناء الوزارة، يرسم خطتها بالشكل والمحتوى الذي يهواه في ظل عدم وجود رؤية شمولية متفق عليها، ومن قرأ أعدادها الأخيرة يأسى على الوضع الذي آلت إليه.
ويبدو لي أن ماضي الوزارة أجمل من حاضرها فقد كانت الرسالة الثقافية ضمن هيكلها فأسست إدارة للمجلة منذ عقود، وهذا غير معروف في القطاعات الأخرى التي إن أرادت نشر مجلة أو عملاً مطبوعاً أبرمت عقداً مع جهات خارجية قد لا تعي تماماً رسالة القطاع أو أهم أعماله؛ وهكذا تفعل جهات رسمية كثيرة الآن!
الأجدر بمجلة الحج الآن أن تكون ميداناً لنشر الفكر الإسلامي المشرق فتدعو المفكرين والكتاب وقادة الرأي لتقديم عطاءات تجعلها منبراً معرفياً تتوازى مع الرسالة العظمى للحج، ويصاحبها مركز بحثي يقدم شهرياً كتاباً تتوثّق صلته بالقضايا المثيرة للجدل في الراهن الإسلامي، وقد تتعاون الوزارة مع المؤسسات البحثية في الداخل والخارج لتحقيق ذلك.
الوزارة أيضاً جعلت ضمن أعمالها السنوية ندوة تنعقد كل عام «ندوة الحج الكبرى» وهي الآن في عقدها الثالث، ويشترك فيها علماء من كافة أرجاء العالم لكنها، بكل أسف، تنأى عن كثير مما ما يدور ويعصف بالعالم الإسلامي الآن، ولا يحظى المشاركون فيها باهتمام وسائل الإعلام فلا نرى لهم أثراً يتجاوز أعمال الندوة التي تصاحبها تغطيات نمطية مستنسخة كل عام.
في الماضي كانت المجلة والندوة السنوية هاجساً ووسيلة لتحقيق الأهداف وتقديم الوجه الثقافي والمعرفي لفريضة الحج واليوم تغيّرت الأهداف وبرامج العمل، وتفاقمت الأوضاع الإسلامية والعربية وتزايد الجدل، وتعرضت صورة الإسلام لكثير من المؤثرات و زادت تعقيداً؛ وكل ذلك يفرض الاهتمام بالقيمة الثقافية للحج وإسهامه في إعادة رسم الهوية وإذكاء روح التنوّع و الاختلاف الخلاق الذي يعكس سماحة الإسلام وبهاء منطلقاته وركائزه، وهذا يوجب البحث عن وسائل عصرية.
أظن من الأجدى للوزارة أن تؤسس وكالة للشؤون الثقافية في الحج، وتنشئ داراً متخصصة لنشر الكتاب الفكري الإسلامي ورقياً وإلكترونياً، وتدشن قناة تلفزيونية تبث طيلة العام تعمق قيمة الحج ورسالته وانعكاسه على حياة المسلمين، وقد تستغلها بين حين وآخر لتوعية الحجاج بأنظمة البلد وطرائق أداء الشعيرة بأمن وسلامة وجهد أقل.
إن فعلت شيئاً من ذلك أعادت إلى الحج قيمته الثقافية وهو أداء راق لها فما تؤديه الآن يسير جداً لأن المناسبة تتوزعها قطاعات أخرى مثل وزارة الداخلية، الشؤون البلدية، والنقل، وقد تفرغت وزارة الحج للإشراف على الزمازمة، وشركات الطوافة، والإسكان وتناست، بكل أسف، الرسالة الأهم والمنافع العظمى.
- محمد المنقري