د. عبدالعزيز بن سليمان الغسلان ">
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد الأمين وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان.. أما بعد :
فقد فُجِعت - كغيري - بما حصل من تفجير انتحاري راح ضحيته عدد من منسوبي قوات الطوارئ الخاصة بمنطقة عسير، خلال أداء صلاة الظهر جماعة في مسجد مقر القوات.
هذا الحدث الشنيع تضمن جرائم شنيعة.. حيث فيه انتهاك حرمة بيوت الله عز وجل وجعلها مكانا للقتل وإزهاق الأرواح المعصومة، والله تعالى يقول: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أولئك مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، وإن من أعظم الظلم قتل المصلين وصدهم بذلك عن ذكر الله فيها، كما أن فيه سفكاً لدماء المسلمين المصلين على حين غرة منهم، وهم مقبلون على طاعة الله يؤدون فريضته، والله جل وعلا يقول: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: (ذكر هنا وعيد القاتل عمدا، وعيدا ترجف له القلوب وتنصدع له الأفئدة، وينزعج منه أولوا العقول، فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم، بما فيها من العذاب العظيم والخزي المهين وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح وحصول الخيبة والخسار. فعياذا بالله من كل سبب يبعد عن رحمته) ا.هـ.
هذا الفعل الشنيع من أفعال أهل البدع من الخوارج، الذين أخبر عنهم النبي - صلى الله عليه وسلَّم - أنهم (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) وهم الذين قتلوا عليا - رضي الله عنه - وغيره. وهم بفعلهم الشنيع هذا يخدمون أعداء الإسلام والسنة.
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلَّم - أنه إن أدركهم ليقتلنهم قتل عاد.
ولقد اهتم سلف هذه الأمة بشأن الخوارج، فوقفوا لهم بالمرصاد، فلما ظهروا وعظوهم وناظروهم، فلما لم يرجعوا عن غيهم، قاتلوهم وقتلوهم؛ قطعا لدابر الفتنة والفساد، ونصيحة للأئمة والأمة، وحماية للدين من شبهات المبطلين وتلبيسات المفسدين، فكانوا بذلك قدوة حسنة لمن جاء بعدهم من أجيال الأمة في مقت أهل الأهواء والبدعة ودعاة الفساد والفتنة.
والواجب في مثل هذه الحادثة : علاوة على استنكار هذا الجرم والتنديد به وبفاعليه، وبيان شناعة جرمهم وخطر أفكارهم الضالة التي أوصلتهم إلى هذه الجرائم البشعة. الواجب أن يحصن الإِنسان نفسه من فتنة الشبهات وذلك بالاعتصام بالكتاب والسنة، والبعد عن مواطن فتن الشبهات التي تثير الشبه المضلة عن الصراط المستقيم من مواقع تواصل اجتماعي، أو معرفات مجهولة، أو مواقع إلكترونية أو قنوات فضائية أو مؤلفات وكتب ومقالات، أو غيرها من وسائل الحصول على المعلومات، فإنَّ هذا من أعظم الأسباب في حفظ الإِنسان من الوقوع في فتن الشبهات. والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: «أمر الله رسوله أصلا وأمته تبعا، إذا رأوا من يخوض بآيات الله بشيء مما ذكر، بالإعراض عنهم، وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل، والاستمرار على ذلك، حتى يكون البحث والخوض في كلام غيره، فإذا كان في كلام غيره، زال النهي المذكور.) ا.هـ. فهذه الآية تدل على أنه يجب اجتناب كل مجلس يقع فيه خوض في آيات الله ومن ذلك البدع والضلالات، ويدخل في حكم المجلس المصادر المتعددة للوصول للمعلومات من الوسائل الحديثة للتواصل والاتصال.
ومما يدل على وجوب الابتعاد عن مصادر فتن الشبهات : قوله - صلى الله عليه وسلَّم - : «من سمع بالدجال فلينأ عنه، فإنَّ الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فلا يزال به حتى يتبعه مما يبعث معه من الشبهات « (رواه : أحمد وأبو داود)، فهذا يدل على أنه يجب على المسلم أن يبتعد عن كل ما يدخل عليه الفتنة في دينه ، ومن ذلك هذه المصادر الحديثة للمعلومات من رسائل جوال أو بريد إلكتروني أو تويتر أو مواقع إلكترونية أو قنوات أو غيرها.
فعلى المسلم أن يحصّن نفسه وأسرته من زوجة وأبناء وبنات، بالبعد عن مصادر فتن الشبهات، مع الاستعانة بالله جل وعلا والدعاء، وبذله لغيرها من أسباب السلامة من الفتن.
وإنما نبهت على هذا السبب، لأن كثيرا ممن ضل وانحرف كان بسبب تساهله فيه، فصار يدخل لهذه المواقع، أو يتابع تلك التغريدات، أو تلك المقالات، أو المقاطع الصوتية أو المرئية، فدخلت عليه الشبهات فضل في دينه، لأنه حام حول الحمى فوقع فيه بسبب فعله وتساهله.
وإلا فنعمة الدين والإسلام والسنة أعظم نعمة، فمن وفق لها فعليه أن يحافظ عليها بالبعد عن كل ما يشوبها. وبالشكر تدوم النعم وتزداد.
وفي الختام : أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يغفر للمتوفين في هذا الحادث، وأن يكتبهم في الشهداء، وأن يخلف على ذويهم خيرا ويرزقهم الصبر والاحتساب.
كما أسأله سبحانه أن يحفظ على بلادنا أمنها وعقيدتها وولاتها، وأن يكفينا شر الأشرار وكيد الفجار والحاقدين.
وأسأله سبحانه أن يحفظ أولاد المسلمين من الانحراف في دينهم، وأن يرزقهم الوسطية والاعتدال، وأن يكفيهم شر الغلو والتطرف، وأن يهدي ضالهم ويرده للحق ردا جميلا.. إن ربي سميع الدعاء. آمين آمين آمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
- عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة حائل