د. فهد بن نايف الطريسي ">
أضحى الإرهاب بكافة صوره وأشكاله هو المهدد الأول لحياة وأمن الإنسان واستقراره، ومن ثم فقد بات معضلة حقيقية على مستوى العالم كله.
فالعدوان على الإنسان قد يكون حسياً وقد يكون معنوياً وقد يجمع بين الاثنين معا، فهذا العدوان قد يستهدف الفكر كما يمكن أن يستهدف المنشآت الوطنية والمرافق العامة، ونحن نرى أن العدوان الذي يستهدف الفكر هو الأشد والأكثر تأثيراً.
ولعل ما يؤكد وجهة نظرنا هو أننا إذا نظرنا إلى الأعمال الإرهابية من الناحية العملية لاتضح أن هذه الأعمال هي وليدة انحراف فكري ناتج عن قصور في الفهم وضيق في أفق الوعي. الإرهاب ليس فعلا ماديا يقوم باقتراف الركن المادي للسلوك المجرم فقط انما هو استعداد فكري قبل الإقدام على هذا الفعل غايته سياسية.
وهذا ما يدفعنا إلى القول: إن هناك علاقة وثيقة جداً بين الإرهاب والفكر؛ وتتجلى هذه العلاقة في أنه حيث يكون الفكر سليماً ومستقيماً، ومنسجماً مع فطرة الإنسان ينعدم الإرهاب، وأما إذا كان الفكر منحرفاً فإن الإرهاب يكون سائداً ومنتشراً، وذلك ما هو إلا تأكيد على أن الأعمال الإرهابية إنما هي وليدة انحراف فكري ناتج عن خلل في الفهم وضمور في التفكير.
وإذا كنا قد استطعنا إيجاد علاقة بين الإرهاب والفكرفإن هذا الأمر يدعونا إلى التأكيد على أن الهاجس الأمني وحده ليس بكاف في الحد من غلو الإرهاب بل لابد من شيء هام قبل هذا، هذا الشيء يتمثل في أن الأمر يحتاج في البداية وقبل أي شيء إلى معالجات فكرية، وذلك من خلال دراسة المقدمات الفكرية التي ينبني عليها الإرهاب نفسه باعتماده على تفكير منحرف يتأسس على قناعات مسبقة.
من خلال ما سبق يمكننا التوصل إلى نتيجة في غاية الأهمية التي تتمثل في أننا إذا أردنا أن نكافح الإرهاب، فلابد أولاً وقبل أي شيء أن نعالج الفكر المنحرف الذي يعد السبب الرئيسي في ارتكاب الكثير من الأعمال الإرهابية.
وهذه المعالجات الفكرية المنحرفة لن تتم إلا من خلال عدة آليات تنفيذية؛ منها على سبيل المثال لا الحصر:
* ضرورة الاهتمام بالعلم والعلماء، لأن هؤلاء العلماء هم القادرون على تغيير عقول أصحاب الأفكار المنحرفة.
* يجب العمل على تنمية روح الحوار الفكري وإشاعته.
* العمل على إنشاء مراكز للبحوث والدراسات الفكرية التي تهتم بدراسة الاختراقات الفكرية التي قد تحدث نتيجة التقارب الزمني والمكاني بين أطراف الكرة الأرضية.
وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نؤكد على حقيقة هامة ألا وهي أن الفكر المنحرف لا يمكن معالجته بمعزل عن مواجهة التشدد الديني، وكل ذلك يقتضي نشر وتعزيز ثقافة الاختلاف، واحترام آراء الآخرين، وفوق هذا وذاك لا بد من تفعيل الحوار البنّاء؛ لتصحيح المفاهيم الخطأ والأفكار المغلوطة.
- أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف