جاسر عبدالعزيز الجاسر
أقذر الصفات وأكثرها انحطاطًا هي العمالة، وعندما يسقط المرء في حفرة العمالة فإن كل ما يقوم به لا يضاهي سقطته الخلقية والأخلاقية بعد أن ارتضى أن يعمل ضد وطنه وأهله وشعبه، هذا إِذا كان حقًا يشعر بالانتماء لهم، فخيانة الوطن ليس بعدها حقارة أدنى منها، ومن يرتكب خيانة وطنه يكون على استعداد للقيام بأي عمل آخر، ولهذا فليس مستغربًا من نوري المالكي الهارب إلى إيران أن يوجه السباب والشتائم من طهران إلى أهل العراق وإلى أعضاء لجنة التحقيق التي شكلها البرلمان العراقي لكشف أسباب استيلاء تنظيم داعش على محافظة نينوى على الرغم من وجود عديد من القوات العسكرية وتشكيلات الشرطة الاتحادية والمحلية وآلاف الأطنان من الأسلحة والمعدات الحربية.
لجنة التحقيق البرلمانية العراقية شكّلت من شخصيات برلمانية عراقية محترمة وفي الوقت الذي كان فيه نوري المالكي رئيسًا للحكومة العراقية، وكان واضحًا منذ تسرب أول المعلومات بأن نوري المالكي هو المتهم الأول، والمسؤول الرئيس عن كارثة استيلاء «داعش» على محافظة نينوى ليس فقط كونه القائد العام للقوات المسلحة، بل أيضًا لأنه كان يدير المواجهة مع الإرهاب عبر مكتب متخصص يرأسه ومرتبط به شخصيًا وإن كبار الضباط وقادة الفرق والوحدات المشكلة للقضاء على الإرهاب كانوا يتلقون تعليماته شخصيًا، وحتى من يولونه إداريًا كوزير الدفاع المكلف سعدون الدليمي، ورئيس الأركان الزيباري كانا مجرد واجهتين ليس إلا، فالفريقان «قنبر وغيدان» اللذان كانا يديران المعركة وعلى الرغم من أنهما يحملان أعلى رتبة في الجيش العراقي «فريق أول» واللذان يمثلان نوري المالكي وهو من وضعهما لقيادة معركة نينوى، فالفريق أول قنبر كان نائبًا لرئيس الأركان، والفريق أول علي غيدان قائدًا للقوات البرية، وعلى الرغم من أن مخابرات نينوى ومحافظ نينوى قد أبلغا نوري المالكي شخصيًا قبل أكثر من شهر من هجوم «داعش» على نينوى، نية «داعش» شن هجوم، وحددت تقارير المخابرات واتصالات المحافظ محاور الهجوم ومعسكرات تدريب «داعش» ومع أن سقوط محافظة نينوى ومدينة الموصل ثاني أكبر محافظة في العراق تحت سيطرة «داعش» إلا أن المطلعين على الأوضاع الأمنية للمحافظة كانوا يدركون تمامًا بأن الأمر سيحصل حتمًا، فكل المعطيات تشير إلى ذلك بوضوح، فقد انحسرت سيطرة القطاعات الأمنية على أجزاء واسعة من المحافظة قبل سقوطها نتيجة لتدهور الوضع الأمني فيها بشكل متسارع ولافت وهو ما حذر منه وتحدث عنه محافظ نينوى مع القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، الذي تجاهل تلك التحذيرات، ومع ازدياد وتيرة الهجمات المسلحة وازدياد طبيعتها تنسيقًا ودقة إلا أن القيادة العامة للقوات المسلحة التي كان يتولاها نوري المالكي رئيس الوزراء السابق وله ممثلون من الضباط الكبار كنائب رئيس الأركان وقائد القوات البرية وقائد قوات نينوى، ومع كل ذلك التواجد والمسؤولية التي يجب أن يتحلى بها المالكي وضباطه الكبار، لم ينتهوا إلى تلك الظروف المعقدة والتحديات الجسيمة ويتحلوا بالمسؤولية، ولم يكن هناك تنسيق وتعاون بين المنظومتين العسكرية والأمنية في محافظة نينوى.
وكشف تقرير لجنة التحقيق البرلمانية العراقية بأن الأداء سيء للقيادات العسكرية والأمنية التي أدارت المعركة كثالثة الأثافي مما تكلل بالعار بعد هروب القادة الكبار، وهو ما يحصل لأول مرة في تاريخ الحروب والمؤسسات العسكرية التي يهرب منها قادة يحملون رتبة «فريق أول» من المعركة.
كل هذه المخازي والجرائم التي ارتكبها نوري المالكي وضباط ومع هذا يوجه الاتهامات الشتائم للعراقيين من طهران مؤكدًا عمالته وخيانته للعراق.