عماد المديفر
قدر الله سبحانه ليلة الجمعة 23 رمضان 1436هـ موعداً لوفاة حبيب الشعب.. الفارس المجاهد الفذ البطل الهمام ..رمز السلام.. وصمام الأمان..سعود الفيصل -يرحمه الله-.. كثيرون رثوه، وسيرثونه، ويتحدثون عن مناقب الفقيد الغالي.. لكني هنا أتناول جانباً آخر من حنكته وحكمته، يزيده الظرف الدولي أهمية.. إنها العراق.. وحكاية الإرهاب.. وداعش!
يئن العالم اليوم من وطأة الإرهاب، وتضج وسائل الإعلام العربية والدولية بشكل يومي بأخبار الإرهاب والجماعات والتنظيمات المتطرفة، وجرائم راح ضحيتها عشرات، بل مئات الآلاف من الأبرياء، ما بين قتيل وجريح ومختطف ومهجر، وتستنفر أقوى دولة في العالم، وتصرف المليارات، وترسل الجيوش، وتنشئ التحالفات للحرب ضد الإرهاب.. وضد داعش.. في العراق وسوريا..
مهلاً.. هل قلت العراق؟!
من أوصل العراق إلى ما وصل إليه اليوم؟ من سلم العراق للإرهاب؟ ولدولة الإرهاب إيران؟ من حول العراق إلى دولة طائفية.. وشعبها إلى شعب يذبح بعضه بعضاً على الهوية؟! أمريكا ذاتها تعلم العلاقة التي تربط إيران بالمنظمات والجماعات الإرهابية، وبالعمليات الإرهابية التي قامت بها هذه الجماعات، «سنية» كانت أو «شيعية»، مستهدفة إثارة النعرات الطائفية، والحروب المذهبية بين أبناء العراق.
من أين خرجت علينا «داعش»؟ ومن أين أتت؟.. أمريكا عينها تعلم بأن داعش لم تكن سوى «القاعدة في بلاد الرافدين»، التي لقت كل الدعم اللوجستي من إيران وحليفها نظام بشار الأسد، إبان الاحتلال الأمريكي للعراق، وبعده. حتى أن الطائفي العميل «نوري المالكي» نفسه اعترف بذلك حين استهدفت «داعش» -والتي كانت تسمي نفسها «دولة العراق الإسلامية»- عدة مقار حكومية في سلسلة تفجيرات ضخمة ضربة بغداد في التاسع عشر من أغسطس 2009م، مُقرِّاً حينها بأن «منفذي الأعمال الإرهابية في العراق تلقوا تدريبات في معسكرات بسوريا»، واصفاً الأدلة التي قدمها العراق إلى الأمم المتحدة حول تورط سوريا في تفجيرات العراق بـ»الدامغة». ولا يخفى على الجميع بأن الأمن العراقي وقتها لم يكن ليتوصل لهكذا معلومات، وأدلة، لولا أن قدمتها له أجهزة مخابرات غربية، وهو ما يفسر عدم قدرة «المالكي» على إنكار التورط السوري، وخروجه في تمثيلية إعلامية ودبلوماسية للتنصل من المسؤولية، والظهور بمظهر الوطني البريء الذي علم للتو بهذا التواطء بين نظام حليفه بشار والدواعش، في حين أن «هوشيه زيباري» نائب رئيس الوزراء العراقي - وزير الخارجية حينها- لم تنطل عليه هذه التمثيلية السخيفة، حيث اعتبر الأمن العراقي شريكاً، وحمله الجزء الأكبر من المسؤولية، متهماً إياه بالتواطئ، وأن «الأمن أزال الحواجز ونقاط التفتيش القريبة من مبنى وزارة الخارجية» قبيل التفجيرات ليسهُل مرور الدواعش وتنجح عملياتهم الإجرامية. ولم تكن هذه الحادثة القرينة الوحيدة التي تظهر تواطئ الأمن العراقي مع داعش، وما قضية هروب الإرهابيين، بما فيهم البغدادي زعيم داعش، من السجون العراقية، وتمثيلية تسليم الموصل لداعش، وكذلك الانسحاب من الرمادي، إلا استمراراً لهذا المسلسل الذي يكشف جلياً عملية «التخادم الإيراني الداعشي».
لقد تنبأ بذلك كله سعود الفيصل - يرحمه الله- بحنكته ودرايته وبعد نظره، وحذر إذ ذاك الأمريكان، مراراً وتكراراً، من مغبة غزو العراق دون وجود رؤية واضحة لما بعد الغزو، مبلغاً إياهم بأن المملكة ترفض الحرب على العراق رفضاً قاطعاً، وأنها في الحالتين، لن تسمح للقوات الأمريكية باستخدام أراضيها لاستهداف الشعب العراقي، مشدداً على أن ضرب العراق في تلك الظروف سيكون كارثة من حيث عواقبه المحتملة على أمن المنطقة.
هذا قبل الاحتلال، أما وقد وقع ، فقد انتقد - يرحمه الله- السياسة الأمريكية بعد الغزو، محملاً إياها مسؤولية تدخل إيران -الدولة الراعية للإرهاب- في العراق، و ما ترتب عليه من تعميق للانقسامات الطائفية، ونشر للإرهاب. وفي كلمة له أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك 2005م قال: «إذا سمحتم بحرب أهلية فإن العراق سينتهي إلى الأبد» وأضاف: «لقد خضنا معاً حرباً لإبعاد إيران عن العراق بعد طرد العراق من الكويت، والآن فإننا نسلم البلاد كلها لإيران دون مبرر» مُبيناً يرحمه الله بأن الإيرانيين أصبحوا يذهبون إلى المناطق التي تؤمنها القوات الأمريكية «ويدفعون أموالاً... وينصبون عملائهم بل وينشئون قواتاً للشرطة ويسلحون الميليشيات»!.
اليوم يئن العالم من الإرهاب، وتدفع دول المنطقة، والعالم أجمع، بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية، قيمة الصلف الأمريكي، وعدم الاستماع لصوت الحق والحكمة، النابع من دراية كاملة في المنطقة وشؤونها.. اليوم.. مات الفيصل.. لكن مدرسته لم تمت، فهل ستتدارك أمريكا خطأها؟.