نجيب الخنيزي
في مقدمة كتاب المفكر وعالم الألسنيات الأمريكي ناعوم تشومسكي «الإرهاب الدولي» تضمّن مشهد محاكمة الأسكندر الإمبراطور لأحد القراصنة، وهو يصفه بكل أوصاف الإجرام، وحينما طلب منه الإمبراطور الكلام، انطلق القرصان ليتحدث عن مقارنة عجيبة؛ قال «لأنني أخطف سفينة في عرض البحر تسمونني «قرصاناً»، وأنت تختطف العالم بأسره فيسمونك إمبراطوراً».
هذا المشهد ينطبق بالضبط على جميع الإمبراطوريات/ الاستعمارية/ الإمبريالية، وإذا كان القرن التاسع عشر هو عصر هيمنة الإمبراطورية البريطانية بامتياز، فإنّ القرن العشرين وحتى وقتنا الراهن هو عصر الهيمنة الأمريكية، التي تحولت إلى هيمنة أحاديه إثر انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، وبالتالي انتهاء الثنائية القطبية .
غير أن مقومات صعود وسقوط القوى العظمى وهو ما ينطبق في وقتنا الراهن على الولايات المتحدة الأمريكية، يستند إلى ذات القوانين وعلى النحو الذي تضمنه المجلد الضخم للكاتب والمحلل الاستراتيجي الأمريكي الشهير بو كندي، والذي جاء تحت عنوان «صعود وسقوط القوى العظمى» قارن كنيدي بين القوى العظمى مع مطلع القرن العشرين، وتنبأ بسقوط الاتحاد السوفيتي، وصعود الصين واليابان، وأفاق السوق الأوروبية (الاتحاد الأوربي ومنطقة اليورو لاحقاً) المشتركة، والانحطاط النسبي للولايات المتحدة الأمريكية. - ويتوقع أن أي عجز أو قصور بالتمويل، خصوصاً على الجانب العسكري سيؤدي إلى أفول نجم أي قوة عظمى. وقد أشار كندي في كتابه إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية واجهت نفس مشكلات القوى العظمى المعتادة. وقارن كندي بين حال الولايات المتحدة وبريطانيا في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى، معتبراً أن معالم مرتكزات الولايات المتحدة هي نفسها معالم مرتكزات بريطانيا ما قبل الحرب العالمية الأولى، عندما يزداد الإنفاق العسكري فإنه لا يأتي إلا على حساب النمو الاقتصادي، مما يقود في النهاية إلى انكماش اقتصادي ومزيد من الضرائب، وتعميق الشقاق حول أولويات الإنفاق المحلي وضعف متزايد في تحمل العبء الدفاعي.
وتصب في ذات المنحى العديد من التحليلات والدراسات الفكرية/ السياسية العميقة المعاصرة، وقد تكون من منطلقات مغايرة نذكر من بينها الكتاب الصادر في عام 2002 تحت عنوان الإمبراطورية - إمبراطورية العولمة الجديدة، وقد جاء فيه « ذلك الوهم المنتشر على نطاق واسع والذي يقول بأن السوق الرأسمالية، ونظام الإنتاج الرأسمالي، أبديان، يستحيل التغلب عليهما وتجاوزهما. تشكل الفطرية الشاذة للنظام الرأسمالي لغزاً خالصاً يثير الارتباك والحيرة، ولابد لنا من أن نحرر أنفسنا من وهمه الزائف على الفور»، ويستعرض الكتاب التوجه الإمبراطوري للولايات المتحدة منذ بدايات تأسيسها، وذلك على لسان أحد أبرز ما يطلق عليهم «الآباء المؤسسون» الرئيس الأمريكي توماس جفرسون، حيث قال «مقتنع أنا بعدم وجود أي دستور سبق له أن درس بعمق وفصل بشكل جيد مثل دستورنا ليكون صالحاً لإمبراطورية واسعة للحكم الذاتي». مع أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تمثل القوة الأعظم في العالم على الصعيدين العسكري والسياسي، ومع أنها تمتلك منفردة أكبر اقتصاد عالمي، غير أن مؤشرات تراجع مكانتها العالمية باتت جلية للعيان، وتوضحت بصورة أكبر مع الفشل في حروبها المتتالية تحت عنوان « الحرب على الإرهاب « وتفجر الأزمة المالية/ الاقتصادية التي تعصف بها منذ نهاية 2008 والتي انتقلت عدواها إلى بقية العالم.
جاء في تعليق لصحيفة «نيويورك تايمز» وهي محقة بأن «الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بدأ عهده في مواجهة أكبر هجوم إرهابي في الأراضي الأميركية وسينهيه بأكبر كارثة مالية منذ العام 1914، متخلياً عن مبادئ حاول تسويقها منذ توليه الرئاسة في مجال دعم الاقتصاد الحر والمبادرة الفردية»، وإزاء الأزمة قال البروفيسور جوزف ستيغليتز في جامعة كولومبيا والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2001 لوكالة فرانس برس «أعتقد أن الأزمة تحمل تغييراً فلسفياً جوهرياً .. لقد أدركنا أن الأسواق غير الخاضعة لأي رقابة يمكن أن تقود إلى كارثة»، ومضيفاً «ربما اعتقد بولسون وزير الخزانة الأميركي ومعه الإدارة بأنهم يستطيعون خداع الأميركيين ليفعلوا كل ما تتم دعوتهم إليه. لكن الأميركيين تعرضوا للخداع من قبل حينما وقعوا صكاً على بياض لشن الحرب في العراق».
علينا معاينة الحضور القوي للدبلوماسية الروسية إلى جانب الدور الأمريكي إزاء قضايا عالمية وإقليمية، كما هو الحال إزاء الملف النووي الإيراني والقضايا العربية والإقليمية، كما أتت زيارة ولي ولي العهد ووزير الدفاع في المملكة سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ثم زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير والزيارة المرتقبة للملك سلمان بن عبد العزيز لتصب في هذا المنحى، وهو معرفة وتقدير أهمية الدور الروسي والعمل على تنويع وتمتين صلات وعلاقات المملكة في جميع المجالات مع مختلف القوى العالمية ومن بينها روسيا.