نجيب الخنيزي
مساء يوم الخميس 6 أغسطس من الشهر الجاري، استهدف الإرهاب الوحشي مجددًا أحد مساجد العبادة في المملكة، حيث فجر انتحاري نفسه بحزام ناسف في مسجد تابع لقوات الطوارئ السعودية في أبها بمنطقة عسير وقد استشهد من جراء هذا الفعل الإجرامي 17 غالبيتهم من أفراد القوات الخاصة، كما أصيب تسعة آخرون. وقد أعلن تنظيم «داعش» الإرهابي مسؤوليته عن تنفيذ الهجوم.
على الصعيد الشخصي كنت أتوجس من مغبة أن يستهدف الإرهاب الداعشي أحد مساجد السنة، والعمل على فبركة واختلاق معلومات مضللة لإلصاقها بتنظيم شيعي متطرف، وذلك بقصد زرع الفتنة وإحداث شرخ خطير في الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية. غير أن فشل التنظيم في إحداث الفتنة عقب تفجيري القديح والدمام في شهر مايو ورد الفعل الرسمي والشعبي على اختلاف مكوناته وأطيافه، المندد بالجريمتين والمتضامن مع ضحايا تفجيري القديح والدمام أفشل هذا المخطط البائس.
من الواضح بأن العملية الإجرامية الأخيرة جاءت ردًا على بيان وزارة الداخلية في شهر يوليو الفائت الذي كشف عن نجاح السلطات الأمنية في كشف وتفكيك العشرات من الخلايا التابعة لداعش وإحباط عدد من العمليات الانتحارية مما أدى إلى اعتقال المئات من الأشخاص يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم «داعش» بمن فيهم المسؤولون عن هجومي القديح والدمام.
الجدير بالذكر أن بيان وزارة الداخلية أشار في حينه إلى أن المقبوض عليهم ضمن «مخطط يُدار من الخارج بهدف إثارة الفتنة الطائفية وإشاعة الفوضى» وتنفيذ هجمات على مساجد ورجال أمن ومقر إحدى البعثات الدبلوماسية السعودية وقد أوضح الناطق الرسمي للوزارة بأن التنظيم مكون من خلايا عنقودية مرتبط بتنظيم داعش الإرهابي. وأن «هذا التنظيم نفذ عددًا من العمليات الإجرامية شملت حادث استهداف المصلين بقرية الدالوه بمحافظة الأحساء، وحادث إطلاق النار على دورية الأمن العام شرق مدينة الرياض، وحادث إطلاق النار على دورية لأمن المنشآت أثناء تأديتها عملها بمحيط موقع الخزن الإستراتيجي جنوبي مدينة الرياض ووفقًا لبيان الداخلية أنه تم إحباط عمليات إرهابية «مروعة» خطط لها التنظيم خلال شهر رمضان من بينها عملية انتحارية استهدفت جامعًا تابعًا لمبنى قوات الطوارئ الخاصة في الرياض وعمليات انتحارية كانت تستهدف عددًا من المساجد في المنطقة الشرقية في أيام الجمعة تزامنًا مع عمليات اغتيال لرجال الأمن. تلك الأعمال الإجرامية البشعة وآخرها تفجير مسجد أبها تؤكد بأن الإرهاب لا دين ولا مذهب له، فثقافة وممارسات الإرهاب تقوم على أساس رفض ومقاتلة ومحاربة كل من يرفض منهجهم التكفيري - الإقصائي - الدموي، بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو توجهه الفكري.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما العلاقة التي تجمع بين الدين عمومًا والإسلام تحديدًا الذي هو دين الرحمة والعدل والتسامح وبين تفجير بيوت الله وقتل المصلين الأبرياء فيها؟ لقد رفض الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الصلاة في كنيسة القيامة بعد فتح بيت المقدس وذلك خوفًا من أن يتخذ المسلمون من فعل عمر ذريعة فيما بعد للسيطرة على الكنيسة وتحويلها إلى مسجد.
وقد كانت الأقليات الدينية وحتى من أتباع الديانات غير السماوية تعيش بأمن في رحاب الإسلام، كما تقبلت الخلافات الإسلامية المتعاقبة واقع وجود ثقافات وممارسات وطقوس شعبية ذات منحى غير إسلامي بل ديني والأمر ذاته ينطبق على الآثار والمنحوتات بما فيها التماثيل التي ترمز إلى عصور وحضارات سحيقة قبل الإسلام، ثم جاءت التشكيلات الإسلاموية الإرهابية على شاكلة «القاعدة» و»داعش» لتفرض إسلامها الدموي التدميري ضد البشر والحجر والشجر، وضد كل ما يمت إلى الدين والقيم الحضارية والإنسانية.
مواجهة خطلا الإرهاب الذي تعولم وتشعب وأصبح له «دولة» تمتلك إمكانات عسكرية وبشرية ومادية واقتصادية ووجود مادي دائم ضمن نطاق جغرافي وبشري واسع، في ظل تلكؤ وهامشية دور القوى الإقليمية والدولية بل وتواطؤ بعضها في دعم التنظيمات الإرهابية. مواجهة الإرهاب بكل صوره، يحتاج إلى تضافر الجهود الوطنية والشعبية والرسمية في الداخل، وإلى تنسيق إقليمي ودولي حقيقي، حيث بات «داعش» كالنازية والفاشية تمثل خطرًا داهمًا على أمن واستقرار البلدان والمجتمعات في عموم المنطقة العربية والشرق الأوسط بل والعالم. محاصرة الإرهاب والقضاء عليه بصورة نهائية تتطلب وضع الفأس عند الجذر وذلك من خلال تجفيف منابعه وحواضنه الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، وهو ما يستدعي التمييز بين المجالين الديني والدنيوي، والعمل على تطوير وتجديد الخطاب الديني الذي لا يجافي العلم والحداثة والعقلانية، ونبذ الظاهرة العقيمة لتسيس الدين وتديين السياسة. كما يتطلب وبشكل ملح خلق مستلزمات قيام الدولة المدنية على أرض الواقع، والعمل الجدي على تحقيق تنمية مستدامة ومتوازنة وعادلة.
المجد والرحمة لشهداء الوطن والخزي والعار للمجرمين القتلة.