جاسر عبدالعزيز الجاسر
صبرُ العراقيين على نوري المالكي وتواطؤ السياسيين الذين كانوا عبارة عن حقائب مفتوحة للرشوة أوصلا العراق إلى حالة ميؤوس منها إلى درجة تجعل رئيس الأركان الأمريكي المنتهية ولايته يقترح تقسيم العراق إلى ثلاث ولايات أو دول.. واحدة للأكراد وأخرى للسنّة العرب وأخرى للشيعة.
هذا الاقتراح الذي كان يشكل «سَّبة» للعراقيين وكفراً سياسياً ووطنياً لدى جميع العراقيين قبل أعوام حين طرحه نائب رئيس الولايات المتحدة «بايدن»، أصبح الآن مقبولاً على الأقل من بعض العراقيين.. فالأكراد يسيرون قدماً لإتمام انفصالهم عن العراق، وينتظرون غطاءً دولياً، أو على الأقل عدم معارضة الانفصال من قبل من وفر لهم الحماية من الأمريكيين والأوروبيين.. أما العرب السنّة وبعد الذي حصل لهم في تهميش وإقصاء في سنوات حكم نوري المالكي فقد زادت نسب المؤيدين لإقامة إقليم يضم العرب السنّة من محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك وأجزاء من محافظة بغداد الكبرى.. أما الشيعة والذين لا يريدون أن تتقلص مساحة العراق الذي تحت هيمنتهم، وأن تطلب الأمر فهم سيسعون إلى السيطرة على محافظات الجنوب والفرات الأوسط، وإبقاء بغداد كاملة تحت سيطرتهم مع محاولة السيطرة على بيجي وسامراء، وهذا ما سيخلق صراعاًَ بل وحتى حرب ومواجهة مع السنّة العرب الذين لا يمكن أن يتركوا مدناً ومناطق يشكلون فيها أكثرية، ولهم تاريخ طويل وقديم مثل سامراء وبيجي وحزام بغداد وأحياء كبيرة في بغداد.. كما يعاني الشيعة العرب من انقسام داخلي وإن لم يظهر للسطح بصورة واضحة، إلا أن المتابعين للأحداث والعالمين ببواطن الأمور يعرفون أن هناك صراعاً بين الشيعة العرب الذين يقامون الهيمنة الإيرانية ويعارضون الأحزاب الطائفية التي تتلقى التعليمات من طهران، كما أن الأحزاب الموالية لإيران تختلف فيما بينها، فجماعة حزب الدعوة منقسمة إلى عدة اتجاهات.. اتجاه يقوده نوري المالكي وهو تابع «أمين» لطهران ومنفذ دون نقاش لأوامر قاسم سليماني، والقسم الآخر من حزب الدعوة الذي انشق قبل ذلك ويقوده إبراهيم الجعفري والذي يطلق على نفسه اسم مسمى «الإصلاح»، فهو أيضاً من التابعين للسياسة الإيرانية؛ وخلافه ينحصر مع نوري المالكي وجماعته على زعامة الحزب وقضايا شخصية بين القيادات المتناحرة.
وهناك تيار ثالث بدأ يبرز ويقوده الدكتور حيدر العبادي وعدد من الشخصيات التي تريد أن تنأى بنفسها والعراق عن السياسة الإيرانية، وأن يتم التعامل مع إيران كدولة جارة ضمن منظومة الدول الإسلامية لا أن يربط العراق تابعاً لها.
إضافة إلى صراعات حزب الدعوة هناك صراعات قوية بين الأحزاب الشيعة فحزب الثورة الإسلامية الذي يقوده عمار الحكيم لا يقل ولاؤه لإيران عن نظيره حزب الدعوة، إلا أنه يطالب أن يأخذ دوره في حكم العراق، خاصة وأنه يسيطر على مجالس المحافظات في البصرة والناصرية والعمارة أهم محافظات الجنوب وأكثرها إنتاجاً للنفط.
يأتي التيار الثالث، وهو التيار الصدري الذي يعد الأقرب عربياً ويتبنى نهجاً عربياً وهو الأقرب للشيعة العرب من العشائر العربية وسكان المدن وبالذات من الطبقة الوسطى والفقراء، إلا أنه يتعرض لضغوط قوية من إيران وحلفائها مما عرضه لإنشقاقات من خلال دعم عناصر مؤيدة لإيران مثل قيس الخرعلي وإنشاء مليشيات إرهابية لمواجهة عناصر وجماعات الصدريين الذين لا يمتثلون إلا إلى تعليمات قائدهم مقتدى الصدر.