جاسر عبدالعزيز الجاسر
خطا حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي خطوةً شجاعةً ومتقدمة ستكون فاصلة في التاريخ العراقي المعاصر إن استمر متابعاً استحقاقاتها.
العبادي مستفيداً من ضغط الشارع العراقي الذي أجبَر المرجعية الشيعية على تبني مطالبه وظَّف الأجواء الجماهيرة للقيام بحزمة إصلاحات، مازجاً بين ما يعطيه إياه الدستور العراقي وما يمنحه هذا الدستور أيضاً للبرلمان العراقي، فحمل حزمة الإصلاح وذهب بها إلى البرلمان الذي لا يمكن له أن يعارض المطالبات الجماهيرية التي عكستها التظاهرات الشعبية في المحافظات الجنوبية والفرات الأوسط الحاضن الأكبر لناخبي البرلمان الحالي، والذين أوصلوا إلى البرلمان الأعضاء الذين يشكِّلون الأغلبية من المكون الشيعي الذي يمثل الأكثرية في المحافظات المتظاهرة، ولذلك لم يجرؤ أعضاء مجلس النواب وخاصة من الكتل التي تشير أصابع الاتهام إلى رموزها وأعضائها بأصابع الاتهام بارتكاب عمليات الفساد والسرقة والنهب التي دمَّرت الخدمات في العراق. وهذه الكتل البرلمانية السياسية التي تمثل الأحزاب الدينية للمكون الشيعي والتي تكون ثلثي الأعضاء في المجلس كانت تستطيع إسقاط حزمة العبادي الإصلاحية، إلا أنها ستصطدم بثورة الجماهير التي عَدَّت الفساد والنهب والرشوة أخطرَ من الإرهاب الذي توجَّه تهمةً للمكون السني بحسب «بروكندا» التي كانت الأحزاب الطائفية تشيعها وتمارسها طوال الفترة الماضية. والجماهير ترى أن الإرهاب يمكن القضاء عليه والتصدي له وإلغاؤه، أمَّا الفساد فإنْ لم يُجتث تماماً فسوف يستشري ويولِّد أزمات ومشكلات متتالية ومنها اتساع دائرة الإرهاب، وهو ما حصل فعلاً، لأن التهميش وتردي الخدمات، وسرقة أموال الشعب وحصرها على فئة معينة ورموز لمكون واحد هو الذي فجَّر الإرهاب.
العبادي تبنى هذه الرؤية التحليلية للجماهير، واتخذ زمام المبادرة للتصدي للفساد دون أن يغفل مواصلة معركة مواجهة الإرهاب وخاصة محاربة داعش، إلا أنَّ المناخ الذي يسود الحراك السياسي في العراق يشهد اهتماماً وتركيزاً وبالذات من حيدر العبادي والجماهير المتظاهرة على أولوية مواجهة الفساد الذي استشرى في الوزارات العراقية والمؤسسات السيادية مما أفشل كلَّ محاولات التصدي للإرهاب. والعبادي يعرف أنَّ من يواجههم سيقامونه بشراسة، ويعلم أيضاً أنَّ لهم أدواتهم وأنصارهم خاصة في الأحزاب والمليشيات الطائفية، ولهذا فإنَّه يستند دائماً إلى الجماهير ويواصل استثمار الاندفاع الجماهيري والتظاهرات لتقديم حِزَم الإصلاحات إلى البرلمان، وتنفيذ ما يستطيع تنفيذه من خطوات لا تحتاج إلى موافقة البرلمان، وقد رُشح من تحركات العبادي وما ناقشه البرلمان العراقي أنَّ عمليات تظهير الفاسدين ستشمل رموزاً سياسية ما كان أحد يستطيع الاقتراب منها، إضافة إلى ضباط كبار في الجيش والشرطة، وكذلك تنظيف القضاء العراقي الذي كان أداة هَدم بيد السياسيين الفاسدين.
ويتساءل العراقيون ومعهم الكثير من المراقبين عن قدرة العبادي في مواصلة التصدي لحِيتان الفساد في العراق، وهل تستمر الجماهير العراقية في مساندته أم يسرقها أصحاب دكاكين المليشيات الطائفية.