أ. د.عثمان بن صالح العامر
عالم من التناقضات التي تجبرك أحياناً على التوقـف عندها والتفكير فيها ملياً، ففي الوقت الذي يتحدث الإعلام الخارجي - فضلاً عن الداخلي - متعجباً من وفاة أم سعودية لعدم قبول ابنتها المؤهلة علمياً في كلية الطب بجامعة تبوك ، في ذات الوقت وفي المدينة نفسها (تبوك) يقدم شاب في مقتبل العمر على شراء لوحة ذات رسالة سلبية بامتياز (ق ل ق 7) بمبلغ سبعة وثلاثين ألفاً وخمسمائة ريال سعودي، مسجلاً أعلى سعر ضمن مزاد تبوك الدوري الذي حضره مدير إدارة الرخص المقدم سمير الغيان!!!.. الأشد غرابة كما ذكرت صحيفة مكة في صفحتها الأولى منتصف الأسبوع الماضي، أنّ الحضور عرضوا على المشتري مبلغ 50000 خمسين ألف ريال قبل أن يغادر المزاد، ولكنه رفض مع تأكيده الاحتفاظ بها!!!.
* الشيء نفسه ولكن خارج حدود الوطن؛ ففي الوقت الذي يرسل بعض السياح، بل حتى المبتعثون السعوديون، رسالة سلبية عنا في البلاد الأوربية خاصة من عدم احترام للنظام، وتعدٍّ على الممتلكات العامة، وإزعاج للناس، وعدم اكتراث بالمارة وأهل الدار!!! في ذات الوقت تضع جامعة كوينزلاند بمدينة برزبن الأسترالية صورة المبتعث السعودي «حسام زواوي» المُلقب بمحارب البكتيريا، وتكتب تحت الصورة الموجودة في لوحة إعلانات كبيرة على إحدى الطرق السريعة والحيوية بمدينة برزبن بولاية كوينزلاند ما نصه: «Hosam is creating change»، «حسام يصنع التغيير»، وتصفه صحيفة التام بأنه من قادة المستقبل الذين سيغيرون العالم بأبحاثهم النوعية المتميزة ، إذ عُرف المبتعث الزواوي بأبحاثه التي يجريها على البكتيريا الخارقة التي تتطور جينياً حتى تصبح مقاومة للمضادات الحيوية.
* ومشهد ثالث يحكي التناقض العجيب والغريب، ويبعث على الحيرة والأسى؛ ففي الوقت الذي تنطلق فيه من أرض المملكة العربية السعودية دعوة الكشاف السعودي للسلام العالمي، ويبارك ويدعم ويتبنى هذا المشروع الرائع والرائد القائم على المحبة والألفة العالمية الإنسانية قادة بلادنا - حفظهم الله ورعاهم ورحم من مات منهم وأسكنه فسيح جناته - في ذات الوقت تفوح رائحة الكره والبغض والحقد والضغينة على الإنسانية جمعاء، من نتن فكر واعتقاد شاب وُلد ونشأ وترعرع في ديارنا المباركة - للأسف الشديد - فيفجّر نفسه بحزام ناسف في بيت من بيوت الله، وبخدام وحماة وحراس ضيوف الرحمن وهم واقفون بين يدي ربهم يؤدون الصلاة المفروضة!!!.
متناقضات عجيبة جداً.. وهذا في نظري أمر وارد في أي مجتمع بشري، وإن كان غير مرغوب فيه ولا مستحسن، خاصة عندما يكثر الخبث ويعلو الشر ويظهر الفساد وترتفع صيحات الإفساد.
ليس هذا ما أردت التعريج عليه في مقالي اليوم، ولكنني من خلال الاطلاع على بعض ما يغرد به ويكتب عنه وفيه، وجدت أنّ هناك من يمارس الجلد لنا حتى الموت بسوداويته وتشاؤميته وشماتته وتهجمه على مجتمعه الذي هو منه ويعيش فيه وكأنه يقول: لا يوجد من الخيّرين الوطنيين المحترمين إلا أنا ، يضخم الأخطاء ولا يتحدث عن الصواب ، يردد الكلام في السلبيات ولا يذكر ولو أقل القليل من الإيجابيات، وهو في هذا الصنيع المعوج يعطي رسالة إعلامية مشوهة ومشوشة وضارة عن السعودية والسعوديين، بل عن الإسلام والمسلمين على وجه العموم، حتى من قارف العكس ولم يُذكر عنه أنه مارس النقد للسلبيات التي تزعج وتضايق، بل تهدد وتتوعد هو يضر بالمقدار نفسه أو يزيد .
إننا بحاجة إلى ضبط ميزان النقد، والتشخيص الصحيح الموزون لا المغالي أو المجافي، حتى لا تميل الكفة ونظلم أو نُظلم من حيث نعتقد الإصلاح وتصحيح المسار . دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.