خالد بن حمد المالك
لازلت حتى هذه اللحظة مصدوماً بوفاة الأخ العزيز المرحوم سعود الدوسري، فقبل يومين فقط من وفاته كان آخر لقاءٍ فيما بيننا- مصادفةً - في شارع الشانزليزيه في باريس، ولم أر فيه ما يشير إلى مرضه، أو أي مظهر يوحي بأنه قاب قوسين أو أدنى من الوفاة، وكان كعادته نشطاً وحيوياً ومستمتعاً بالأجواء الجميلة، كونه يقضي بعض الوقت في العاصمة الفرنسية التي أحبها وحرص أن يمضي فيها وقتاً للراحة والاستجمام، لا أن تكون نهايته ووفاته فيها.
***
وجه طفولي به من سمات النقاء، وملامح الصدق، ومظاهر العفوية، ما يجذبك إليه، ومن خلال صوته الهادئ المبحوح تجد هذا القلب الدافئ الذي ينبض بمحبته للآخرين، ووسامة رجولية تكشف عن معدنٍ أصيل في خلقه ونبله وتواضعه وأريحيته، هو هكذا-سعود-كما تصورته دائماً، وهو أكثر من ذلك كما أخفاه عنا وعن أقرب الناس إليه، ففي صمته وحديثه، سكناته وحركاته، في العمل وخارج العمل، حين يكون جاداً أو لايكون، هو ذاته سعود، الإنسان الذي أحبه الجميع، وحزنوا لوفاته، وبكاه من عرفه عن قرب، ومن تعرف إليه عن بعد عبر الأثير من خلال برامجه وحواراته الإعلامية الناجحة.
***
يقول أخوه وزير العمل معالي الدكتور مفرج الحقباني، إنه لم يكن يعرف أنه يعاني منذ سنوات من مرضٍ في قلبه الكبير، وأنه كان يخفي عنا كل ما يمكن أن يكون سبباً في إزعاجنا، يضيف مفرج بصوت باكٍ حزين، وهو المصدوم بوفاة أخيه، إن وفاته بكل ما تركته من جرحٍ غائر في قلبه، فإن ماخفف من وطأة هذا المصاب هو هذه المشاعر الصادقة والمحبة لأخي سعود الدوسري، الذي تفرغ للإعلام بمهنيةٍ عالية وأحسن كثيراً في آدائه لعمله، فلم يسىء لأحد،ولم يقل أو يتبنى إلا مايرضي ربه ثم جمهوره الكبير، بموضوعيةٍ وصدق وإخلاص.
***
نعم هو هكذا، فقد كان سعود -رحمة الله عليه- رجل إعلام من الطراز الأول، حواراته وبرامجه وانتقاء ضيوفه لم تكن وحدها مصدر نجاحه الإعلامي، كان هناك صوته الرخيم، وخلطه الفصحى بالعامية، وبعده عن الموضوعات التصادمية، والتركيز على البرامج الاجتماعية والإنسانية والترفيهية والتوثيقية، هو إذاً إعلامي ناجح ووجه تليفزيوني محبوب، وقد جمع لها اهتمامه بإخراج برامجه معتمداً على ذائقةٍ فنية لديه، وعلى انتقاء ذوي المواهب المتميزة من زملائه المخرجين والمنفذين.
***
وقفت على هذه الظاهرة في الإعلامي سعود، حين أجرى معي حوارا مدته عشر دقائق أو تزيد، لكنه استغرق في إعداد الحوار أكثر من ست ساعات وكل هذا بسبب توجيهاته، وحرصه على إرضاء مشاهديه في كل برنامج يقوم بإعداده وتقديمه، وهو ما نجح فيه، وتفوق به، وأعطى انطباعاً على أنه إعلامي متميز، وبذلك فقد خسرت الشاشة بوفاته أحد الإعلاميين الشباب الذين تفوقوا وأبدعوا إلى أن وافاه الأجل المحتوم.
***
رحم الله صاحب ذلك الصوت الهادئ والوجه البشوش والعمل المتميز الدؤوب، أخي سعود الدوسري، وعوضه عن شبابه وحياته وغيابه عن أهله ومحبيه نعيماً لاينتهي في الجنة عند ربٍ غفورٍ رحيم.