د. أحمد الفراج
يحرص كل رئيس يتسنّم قيادة الإمبراطورية الأمريكية على ترك بصمة، تخلد اسمه في التاريخ، وتظل قائمة الأسماء البارزة للرؤساء الأمريكيين قصيرة، وعندما يترشح السياسي الأمريكي للرئاسة، فإنه ينسى الفوارق الحزبية، ويشير إلى أنه سيسلك مسلك هذا الرئيس «التاريخي» السابق، أو ذاك، فمن الطبيعي أن يتمنى مرشح ديمقراطي، مثل باراك أوباما، أن يسلك مسلك الرئيس الجمهوري التاريخي، ابراهام لينكولن (1860 - 1865)، أو أن يتحدث مرشح جمهوري، مثل الرئيس السابق، رونالد ريجان، بإيجابية، عن الرئيس الديمقراطي التاريخي، فرانكلين روزفلت (1932- 1944)، وبالمناسبة، فالرئيس روزفلت - الذي حكم أمريكا في واحدة من أحلك فترات تاريخها، أثناء الركود الاقتصادي العظيم، وأمر بدخول الولايات المتحدة في معترك الحرب العالمية الثانية، وأعلنها كقوة عظمى قادمة - هو الرئيس الوحيد الذي تم انتخابة لأربع فترات رئاسية، وتوفي أثناء فترته الأخيرة!.
الرئيس أوباما يعتبر الرئيس ابراهام لينكولن معلمه الأكبر، وكثيراً ما يستشهد بمقولاته، ويشيد بسياساته، ورغم أن بداية أوباما لم تكن واضحة، واتهم كثيراً بالضعف، والتردد، خصوصاً أثناء موجة التثوير العربي، إلا أنه كان، ولا يزال يسير على سياسة ثابتة، شعارها السلام، وسأعيد هنا ما أكرره كثيراً من أن الرئيس الأمريكي، أي رئيس، يسير وفق مخططات مرسومة سلفاً، ويستطيع المناورة هنا أو هناك، حسب تطور الأحداث، ولكن لا يمكن أن يفرض سياسة معينة، فهو مجرد ترس في ماكينة كبيرة، تشمل الكونجرس، ولوبيات المصالح، وهنا لا بد من طرح سؤال هام للغاية: «هل الرئيس أوباما ضعيف ومتردد، أم أنه يسير وفق سياسة معينة، تتطلبها المرحلة، والمصالح الأمريكية؟!!»، ولا أظن الإجابة على هذا السؤال صعبة على الإطلاق لمن يتابع الأحداث جيداً!.
أوباما يعيش أفضل مراحله على الإطلاق، فبعد أن تم انتقاده لمدة طويلة، ووصلت شعبيته إلى الحضيض، حقق مؤخراً انتصارات متتالية، داخلياً وخارجياً، فقد حقق حلمه الأزلي بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، وهو مقتنع تماما بأن هذا الاتفاق سيجعل منطقة الشرق الأوسط الملتهبة أكثر أمناً، إذ ستكون إيران، حسب أوباما، شريكاً إيجابياً، بدلاً من دورها السابق، كرأس حربة لكل مشاكل المنطقة، والداعم الرئيس لمعظم الميليشيات المسلحة، وقبل توقيع الاتفاق، حقق أوباما انتصاراً آخر، فقد أعاد العلاقات مع كوبا، وهي الدولة التي ظلت، على مدى عقود، خنجراً في خاصرة الإمبراطورية الأمريكية، ويضاف إلى ذلك عديد من الانتصارات الداخلية، وهو الأمر الذي رفع شعبيته إلى أعلى مستوى لها، منذ سنوات، والخلاصة هي أن أوباما بدا، حتى قبل فترة قصيرة، وكأنه سيدخل التاريخ كواحد من أسوأ الرؤساء، ثم تغير كل شيء، ومن يدري فقد لا يكون الاتفاق النووي والعلاقات مع كوبا كافية لأن تجعله في مصاف مثله الأعلى، الرئيس ابراهام لينكولن، ولكنها قد تكفي لتدخله التاريخ كرئيس جيد جداً، مثل سلفيه، الجمهوري رونالد ريجان والديمقراطي بيل كلينتون !!.