د. محمد عبدالله الخازم
«فإنَّ للعيدِ بهجةً وفرحةً يرسلُها المولى سبحانه وتعالى إلى نفوسِ عبادِه المسلمينَ بعدَ أن أنهوا ما فرضَهُ اللهُ عليهِم في هذا الشَّهر الكريم، لأنّهُ عزَّ وجلَّ جعَلَ هذا العيدَ جائزةً لِمنْ خافَ مقامَ ربِّهِ ونهى النَّفسَ عنِ الهوى، فقدْ صحَّ عن الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنّه قالَ (الصَّيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبد يوم القيامة، يقول الصيامُ أَيْ رَبِّ، إنِّي مَنَعتُهُ الطَّعَامَ والشَّهَواتِ بالنَّهَارِ فَشَفِّعْني فِيهِ، ويَقُولُ القُرآنُ مَنَعتُهُ النَّومَ بالَّليلِ فَشَفِّعْني فِيهِ، قَالَ فَيُشَفَّعَانْ).
فهنيئاً لكمْ هذانِ الشَّفيعَانِ يومَ القيامَةِ نَظيرَ ما بَذَلتُمُوهُ مِنْ الصيام والقيام وقراءةِ القرآنِ خلالَ هذا الشَّهرِ، أعادَهُ اللهُ على الأمةِ جَمعاءَ باليُمنِ والبرَكاتِ، وتَقَبَّلَ اللهُ من جميعِ المسلمين والمسلماتِ صيامَهم وقيامهم إنَّه سميعٌ مجيب».
كانت تلك كلمات الراحل الكبير عبدالله بن عبدالعزيز قبل عام من الآن وتحديداً في عيد الفطر العام الماضي. وقد ودَّع دنياه ولم يحضر معنا هذا العيد. فقدنا الملك عبدالله بانتقاله إلى بارئه، لكننا سنجني ثمار ما غرسه سنين طويلة، لا سيما وبلادنا تعودت على تواصل العمل بين حكامها، كل يبني ويكمل مسيرة من قبله. رحل عبدالله بن عبدالعزيز وقد وضع لنا رؤية تنموية استراتيجية، تجاوزت الحاضر للمستقبل. هذه الرؤية عندما نتأملها ستمتد لعشرات السنين، فالجامعات التي أسسها سنرى ثمارها في المستقبل، ومشاريع النقل التي بدأت بالمدن الكبرى سنرى نتائجها في المستقبل، وبرنامج الابتعاث سنرى نتائجه في المستقبل، والمدن الاقتصادية أسست للمستقبل، وخطوط السكك الحديدية التي بدأها سنرى أثرها بعد سنين وعقود من الزمن، ورؤيته للاتحاد الخليجي كانت رؤية للمستقبل، وحثه على التنمية المتوازنة بالمناطق كافة هو حث على السمتقبل، وتبنيه الانتخابات البلدية وتأسيس الهيئات الأهلية (هيئة الصحفيين وهيئة المهندسين وغيرهما) وفرض تمثيل المرأة في مجلس الشورى هي خطوات في طريق الإصلاح المستقبلي...
ليس المجال هنا لتعداد أعمال ومآثر الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لكننا في العيد نتذكر الراحلين العظام، الذين تعودنا وجودهم معنا في كل عيد. ونكرر بأن بلادنا محظوظة بملوكها الأوفياء، فكما كان الملك عبدالله وفياً لسلفه ها هو سلمان الحزم، رمز الوفاء لمن سبقه من إخوته الملوك والأمراء، يؤكد نهج الوفاء لسلفه الراحل العظيم والسير على نهج حكام هذه البلاد في تقدير كل منهم للآخر، وفي كون سياسة الحكم تسير وفق تسلسل تراكمي، كل قائد يكمل ويواصل عمل من سبقه.
رحم الله الملك عبدالله، وعيد مبارك لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن نايف وولي ولي عهد الأمير محمد بن سلمان ولوطننا الغالي وأهله الكرام.