محمد سليمان العنقري
أوصى مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية بدعم توجهات ورؤى الهيئة العامة للاستثمار، وكذلك هيئة المدن الاقتصادية، وبالنظر للمدن الاقتصادية التي تُعد توجهاً رائداً لدعم التنمية المستدامة، فإن تحقيق الأهداف المرجوة منها والتي أُقرت التوصيات لأجلها يمثِّل تحدياً أمام هيئة المدن بالمرحلة القادمة لبلورته على أرض الواقع، فقد مر عقد كامل على الإعلان عن أول مدينة اقتصادية، وهي مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، ورغم أن الكثير من البنى التحتية أُنجزت فيها، وبدأت بعض الاستثمارات تتدفق لها إلا أن تحقيق كامل الأهداف في أربع مدن اقتصادية يتطلب رؤية متكاملة نأمل أن تقوم الهيئة بالإعلان عنها وتوضيحها للعموم.
فالمدن الاقتصادية تُعد حواضر متكاملة للعيش فيها بمعايير متطورة تهدف لاستقطاب استثمارات متنوعة وكبيرة بهدف استقطاب سكان لها وتنويع القاعدة الاقتصادية وتلبية جزء من الطلب على السلع والخدمات محلياً، وكذلك التصدير للخارج وتوطين التقنية والصناعات والخبرات وتوليد فرص عمل ضخمة، ومعروف أن ذلك لن يتم بفترة قصيرة، ويحتاج بناؤها لوقت ليس بالقصير، فيمكن معرفة ذلك من خلال النظر لتطور أي مدينة، وكم من الزمن استغرق حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، حتى بالمقارنة مع مدن مشابهة كالجبيل وينبع أيضاً أخذت وقتاً طويلاً، حتى أصبحت حواضر مميزة ونموذجاً مثالياً للعمل والعيش فيها.
إلا أن ما قد تختلف به المدن الاقتصادية هو أنها تُنشأ من القطاع الخاص مع دعم حكومي ضخم، مما يساعد على تسارع خطوات بنائها، بالإضافة إلى أهمية الاستفادة من وجود هيئة خاصة تتولى الإشراف عليها، فإن ذلك يفترض أن تقوم بوضع معايير أوسع نطاقاً بالاختلاف عن بقية المدن المماثلة، بل ومنافسة لما يقدم عالمياً لمدن اقتصادية أنشاتها العديد من الدول، فمن المهم أن يكون هناك ذراعاً تمويلية خاصة للمدن الاقتصادية يدعم المستثمرين، ومن الممكن أن يكون تابعاً لصندوق الاستثمارات العامة، ويموّل مختلف النشاطات صناعية وخدمية وغيرها، حتى تتسارع خطوات جذب الاستثمارات.
وأن لا يكون لأذرع تمويلية حكومية أخرى كالصندوق الصناعي أي علاقة بتمويل الاستثمارات بتلك المدن حتى يتفرغ لتمويل الاستثمارات بالمدن الصناعية التي لها هيئة مستقلة تتبع وزارة التجارة والصناعة، ولا يكون عليه ضغوط إضافية بطلبات التمويل، لأن طبيعة المدن الاقتصادية تحتاج إلى توجهات مختلفة بأساليب التمويل، كما أنه من الضروري أن تنقل بعض المصانع الضخمة غير البتروكيماويات لتشكّل نقلة مباشرة وسريعة لتلك المدن حسب تخصصها مع منح مزايا مقابل ذلك حتى لو تم تحمُّل تكاليف نقل تلك المصانع من قِبل هيئة المدن، بالإضافة إلى توجيه الاستثمارات بصناعات وخدمات معينة لتلك المدن حصرياً، خصوصاً ذات الطاقات الإنتاجية الكبيرة أو النوعية، كما يمكن تحفيز الأسر بالانتقال للعيش فيها من خلال توفير وحدات سكنية بأسعار منخفضة للتملُّك، فالأراضي حكومية قُدمت لتلك المدن، ومع توفر فرص عمل فإن انخفاض تكلفة تملُّك المسكن سيكون لها أثر كبير بزيادة سكانها، مما يُؤثر إيجاباً على التوزيع الجغرافي للسكان وتقليل الضغط على المدن الكبرى، بل قد يؤدي لهجرات منها للمدن الاقتصادية.
المدن الاقتصادية في حال إنجازها بالشكل والمدة المأمولة سيكون لها دور إيجابي كبير باقتصاد المملكة لا ينحصر بأثر واحد، بل بالعديد من الجوانب التي تصب في دعم التنمية المستدامة والتوزيع المستهدف لها جغرافياً وعاملاً أساسياً في المنافسة عالمياً.