محمد سليمان العنقري
مما لا شك فيه أن الأزمة المالية العالمية منعطف تاريخي بالاقتصاد العالمي وباتجاهات الدول التي تبحث عن مكانة قوية في المستقبل يواكب ذلك أيضًا التطورات السياسية العالمية المتسارعة التي لا يمكن فصلها عن الأهداف الاقتصادية التي تنشدها كل الدول التي تمتلك مقومات تساعدها على تطوير اقتصادياتها
وبالنظر إلى ما حققته دول الخليج عمومًا من إيرادات هائلة بسبب ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات العشر الماضية والتطور الإيجابي الهائل باحتياطاتها وانخفاض ديونها والإنفاق على البنى التحتية والموارد البشرية إلا أن كل ذلك يعد ميزة إيجابية لكن بالتأكيد ليست كافية لمواكبة التحولات الكبرى التي يشهدها العالم اقتصاديًا إِذ لا بد من الانتقال السريع لاقتصاديات منتجة وليست ريعية كما كان ذلك مناسبًا في عقود مضت ولعل إعلان دولة الإمارات العربية الشقيقة عن توجهها لتحرير أسعار الوقود لتكون أول دولة خليجية ترفع الدعم كاملاً هو بداية لتحولات بالنهج الاقتصادي الخليجي عمومًا وبذلك ستوفر تكاليف دعم كانت تدفعها للوقود تصل إلى 29 مليار دولار بحسب تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي وستعود هذه الأموال إلى خزينة الدولة بينما تعد الكويت أول من ألغى دعمًا على بعض المنتجات كالديزل بينما أبقته على البنزين وتبلغ تكاليف الدعم فيها في حدود 17 مليار دولار سنويًا مما يعني أننا أمام تطور مهم لا بد أن يشمل باقي دول الخليج لرفع مستوى موارد الخزينة فيها وتطوير منظومة الأعمال لتقلص من تكاليفها بتطوير أدائها التشغيلي.
وبما أن المملكة تعد أكبر اقتصاد بالمنطقة ومن بين مجموعة العشرين وتمتلك موارد هائلة ووضع مالي مريح وانفقت مبالغ ضخمة على مشروعات البنى التحتية فإنها بالتأكيد تتطلع لمواكبة ما يحدث عالميًا بالتحول لاقتصاد يقلل من اعتماده على إيرادات النفط وتغيير سياسات الدعم الحكومي للسلع والطاقة التي تصل تكاليفها لأكثر من 400 مليار ريال سنويًا فقد سبق لمحافظ مؤسسة النقد الدكتور فهد المبارك أن صرح قبل أشهر عن ضرورة إعادة النظر بالدعم للطاقة مع استمراره لكن بطريقة تصل للمستفيد المستهدف على اعتبار أنه لا يصل حاليًا كما هو مخطط له مما يعني أن المملكة قد تطور برنامجًا للدعم المقدم حاليًا يختلف جذريًا عن الحالي حتى يصل للشرائح المستهدفة.
فالحديث عن مثال دعم الطاقة بالخليج الذي بدأ يتغير تدريجيًا يوضح بأن مستقبل الاقتصاد سيشهد تغيرات كبيرة خليجيًّا ومحليًا ما يعزز ذلك الاتجاه بالمملكة نحو أساليب تشغيل مختلفة للمرافق كالمستشفيات والموانئ والمطارات وكل ما يمكن خصخصته لتطوير التشغيل وجذب الاستثمارات وتخفيف الضغط على الميزانيات القادمة ورفع موارد الخزينة العامة كما يدل على ذلك اعتماد مجلس الوزراء لتوصية فرض رسوم على الأراضي البيضاء وان كان فرضها عند اعتماده النهائي له أهداف أهم تتعلق بحلول ملف الإسكان إلا أن ما يمكن فهمه من كثير من القرارات والاتجاهات الحالية باقتصاد المملكة تدل على تسارع كبير يهدف لتحويله لاقتصاد منتج ومتنوع المصادر ولرفع الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد حيث بلغت واردات المملكة العام الماضي 651 مليار ريال مما يدل على وجود فرص كبيرة للاستثمار بالمملكة حتى ان هيئة الاستثمار بدأت بخطة جديدة تهدف للتركيز على جذب الاستثمار الأجنبي للقطاعات التي يحتاج إليها الاقتصاد الوطني.
إلا أن الوصول للأهداف الاقتصادية يتطلب عملاً متكاملاً بين مختلف الجهات الحكومية المعنية بالشأن التنموي كوزارة العمل التي يفترض أن تغير من طرق توظيف المواطنين وكذلك آليات الاستقدام لتعزيز المكاسب وتوطين الخبرات يضاف لذلك تعديل بنسب القبول الجامعية قياسًا بمن يقبلون بالمعاهد والكليات الفنية والتقنية لترتفع نسبهم لصالح الأخيرة مع ربط اوسع لمنظومة تراخيص المصانع والمنشآت وترسية العقود الحكومية بسياسات سوق العمل ليكون العنصر البشري الوطني رئيسًا بتشغيلها بالوظائف الجيدة والأساسية.
التحولات الاقتصادية العالمية سريعة وكبيرة ولمواكبتها لا بد من تغييرات هيكلية باقتصادنا تتناسب معها وتتسابق على منافسة الدول بما يحقق مكاسب كبيرة ويحول من دور القطاع الخاص ليكون قائدًا بالنمو الاقتصادي فما نراه مشكلة كملف الإسكان على سبيل المثال يمكن ببعض الإجراءات أن يحوله لمؤثر إيجابي كبير بالتنمية والنمو الاقتصادي ورافدًا أساسيًا لتوليد فرص العمل بقطاعات عديدة تعتمد عليه يضاف لذلك تغيير النظرة لكثير من السياسات التي تبقي الدعم لمن يستحقه بينما تحول أساليبه ليكون أكثر كفاءة مما سيعزز من كفاءة الاقتصاد ويرفع من الإنتاجية ويقلل بالتكاليف بتطوير أساليب التشغيل ويخفف الضغوط على الميزانيات العامة ويرفع من موارد الخزينة.